على وقع المداخلات النيابية وصخبها تواصلت الاتصالات في مختلف الاتجاهات وعلى مستويات رفيعة لمعالجة أزمة قطع الحساب، التي تمنع دستورياً إقرار الموازنة الذي تفرض الضرورة ان يتم قبل نهاية الشهر الجاري لأسباب كثيرة، لعلّ أبرزها، انّ مالية الدولة تتعرّض لمزيد من الضعف والاستنزاف، لأنّ كثيرين من المكلّفين يستأخرون دفع ما عليهم من ضرائب الى حين إقرار الموازنة الجديدة للاستفادة من الخفض الضريبي الذي تلحظه في بعض بنودها.
ورجّحت الأوساط النيابية والحكومية، الانتهاء من النقاش وإقرار الموازنة غدا الخميس، اذا تقلّص عدد المداخلات النيابية البالغ ستين مداخلة، والا تنتهي بعد غد الجمعة. وقالت هذه الاوساط لـ«الجمهورية»: «انّ الحكومة، واياً كانت الصيغة التي ستؤول اليها الموازنة لن تكون في أفضل حال، خصوصاً أن ما ينتظرها من مسؤوليات كبير جداً، لأنّ البلاد تقف على شوار انهيار اقتصادي ومالي يستدعي معالجات سريعة».
وقد توصلت الإتصالات الى تأمين حل للتصويت على الموازنة من دون قطع الحساب للعام 2017 باقتراح رئاسي نقله احد الوزراء الى كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري، قضى بأن يضيف رئيس الحكومة مادة الى مشروع قانون الموازنة امام مجلس النواب تنصّ «على تمديد المهلة المعطاة للحكومة لتقديم قطوعات الحسابات الماليّة الكاملة والتي كانت عاماً، 6 أشهر إضافيّة، بحيث يصبح في الامكان نشر الموازنة بعد إقرار القانون».
وقالت الأوساط النيابية، انّ بري اجرى سلسلة من الإتصالات ابّان الفترة الفاصلة بين الجلسة الصباحية وبعد الظهر، انتهت الى الموافقة على هذه الصيغة.
وكان بري قال قبل تسلّمه الصيغة ـ المخرج، انه «سيكون هناك جلسة لمجلس الوزراء غداً الأربعاء (اليوم) ولو عقدت اجتماعاً في إحدى قاعات المجلس النيابي»، وذلك حرصاً منه على البت بقطع الحساب عن موازنة العام 2017 قبل التصويت على الموازنة غداً الخميس. ولكن بري وبعد ساعات على موافقته والحريري على إقتراح الحل الرئاسي لقطع الحساب، اعلن مساء انّ جلسة مجلس الوزراء التي تحدث صباحاً عن انعقادها «لن تنعقد».
جابر
وفي المواقف إزاء ما تشهده مناقشة الموازنة من مداخلات لا تخلو احياناً من الحدة، لاحظ عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب ياسين جابر «أنّ 90 في المئة من المداخلات النيابية أمس هاجمت الوضع الخطأ السائد من باب مشروع الموازنة وكالت للحكومة انتقادات جعلتها في وضع صعب، وقال لـ«الجمهورية»: «على رغم من كل المآخذ فإنّ البلاد تحتاج الى موازنة يجب أن تُقرّ قبل نهاية الشهر الجاري، لكي يبدأ تطبيق المداخيل الجديدة التي تقضي بها وكذلك التخفيضات في المصاريف والنفقات». وأضاف: «انّ معظم المكلّفين بكل انواعهم وأحجامهم لا يدفعون ضرائب منذ البدء بمناقشة الموازنة، في انتظار ان يستفيدوا من التخفيضات التي تلحظها هذه الموازنة، فضلاً عن كل الجهات والمؤسسات الدولية المالية وغير المالية ينتظرون من لبنان أن يقرّ موازنته ليبنوا على الشيء مقتضاه مع تعاطيهم المالي معه».
وأكّد جابر انّ الحكومة ليست في وضع مريح «فهي كمن أطلق النار على رجله». واشار الى «أنّ احداث الجبل طيّرت الصيفية واحدثت مشكلات لم تنته فصولاً بعد».
ولفت الى ان مشكلة قطع الحساب قد توافر حل لها بإضافة الحكومة مادة الى قانون الموازنة تقضي بإعطائها مهلة 6 اشهر لإنجاز قطوعات الحساب المتراكمة منذ العام 1997 وحتى العام 2017، وقال: «لقد اقترحنا على الحكومة ان يُضاف الى هذه المادة نص يجيز لديوان المحاسبة الإستعانة بمدققي حسابات لتمكينه من انجاز درس هذا الكم من قطوعات الحساب ضمن مهلة الستة أشهر المقترحة لهذه الغاية».
فنيش
ولم يشأ احد وزراء «حزب الله» محمد فنيش التعليق على الاقتراح القاضي بالتمديد 6 اشهر للحكومة لكي تنجز قطوعات الحساب، مؤكّداً «اننا لم ندرس هذا الاقتراح بعد».
وقال فنيش لـ«الجمهورية»: «طبيعي ما رأيناه اليوم، وما سنراه في اليومين المقبلين هو دور المجلس النيابي. ومن حق النواب ان يمارسوا دورهم التشريعي كونه الأبرز عندما يكون الأمر مناقشة الموازنة. إذ من خلال هذه المناقشة يستطيع المجلس الاطلالة على توجهات الحكومة، وبالتالي على الوضع المالي الاقتصادي، بحيث يبدي النواب آراءهم إزاء الموازنة ومؤشراتها وحول الوضع القائم واسبابه، ويشيرون الى مكامن الخلل. وهذا الامر يستدعي التعامل معه بإيجابية، بحيث يمكن استخلاص مقترحات موضوعية، وتشخيص مكامن الخلل الموجودة والاستفادة منها، خصوصاً اننا نقف على ابواب موازنة 2020.
وفي النهاية ان ما يحصل هو تطبيق للنظام والدستور والديموقراطية التي تقوم من جهة على الفصل بين السلطات ومن جهة اخرى على التعاون بين هذه السلطات، وعلينا ان لا نعتبر انّ من يقف في خندق الاعتراض جهة والمجلس النيابي جهة والحكومة جهة اخرى، فكل في موقعه مسؤول ومعني بالعمل لمواجهة الواقع المتردي. وقد دلّت المناقشات والمداخلات الى صعوبة الوضع المالي، واذا توافرت الارادة والتخطيط الصحيح والتزم الجميع روحية التعاون تصبح لدينا القدرة على انقاذ البلد وتصحيح المسار ووضع سياسات لبناء اقتصادي سليم ومعالجة العجز القائم ومشكلة المديونية العامة وتحقيق النمو الحقيقي الذي يعكس نمواً في القطاعات الانتاجية وتأمين فرص العمل للبنانيين».
شدياق
بدورها، قالت الوزيرة مي شدياق لـ«الجمهورية»: «إنّ الموازنة تشهد نقاشاً طويلاً، اذ ليس هناك من فريق يوافق على كل بنودها، والجميع يسجلون اعتراضاتهم ازاءها». واضافت: «لقد قدّمت «القوات اللبنانية» طروحاتها ولم يتم الأخذ بها، وكنا نأمل من لجنة المال والموازنة أن تأخذ بها، ولكن بما أنها لم تأخذ بها فقد قرّرنا عدم التصويت».
ولفتت شدياق الى انّ الجلسة المسائية «كانت متوترة اكثر من اللزوم»، وقالت: «القوات اللبنانية لا تصوّب على الوضع الاقتصادي والمالي ولا تتمنى ان يتأثر هذا الوضع سلباً. لقد كان هناك تعجّب أن يكون الرد فقط على رئيس كتلة «القوات» في وقت سمعنا منذ الصباح مداخلات لعدد من النواب تضمنت انتقادات كثيرة». وختمت: «كان أملنا كبيراً في ان تؤخذ طروحات «القوات» البنيوية على محمل الجد لخفض العجز لأننا نرفض الترقيعات الصغيرة».
حنكش
واستغرب النائب الكتائبي الياس حنكش ما سمّاه «المسرحية التي حصلت امس في مجلس النواب حول مشروع الموازنة، وكان ابطالها هم أنفسهم كاتبوه حيث رجموه ولكنهم في النهاية سيصوّتون عليه».
وقال حنكش لـ«الجمهورية»: «نحن مرتاحون في موقعنا لأننا نعرف ما نريد ونعرف كيف سندلّ الى التجاوزات، فعلى المؤتمنين على القوانين والدستور أن يحترموا المهل، واذا لم يحترموا القوانين والدستور، فلا يحق لهم ان يطلبوا من الناس ان يدفعوا الضرائب والرسوم المفروضة عليهم واذا لم يكن المسؤول هو المثل الاعلى، يذهبون الى ارتكاب التجاوزات، خلصنا بقا. كيف لنا ان نصدقهم في انهم سيقرون قطع الحساب بعد ستة اشهر بعدما كانوا وعدونا بإقراره مع الموازنة الآن؟ كفى انفصاماً في الشخصية».
حادثة قبرشمون
من جهة ثانية لم يحجب الانشغال بمناقشة الموازنة الاهتمام بمتابعة المساعي لمعالجة ذيول حادثة قبرشمون وعقدة تعليق جلسات مجلس الوزراء، اذ علمت «الجمهورية» ان المشاورات تكثفت وحققت تقدماً على طريق التوصل الى تفاهم انطلاقاً من مبادرة الرئيس بري الذي لم يتوقف عن التشاور حتى اثناء الجلسة التشريعية التي إنعقد على هامشها لقاء طويل بين رئيس الحكومة والنائب وائل ابو فاعور، فيما نشطت في القاعات الجانبية الاجتماعات والمشاورات.
وفيما لم يحضر الوزير صالح الغريب الجلسة النيابية سُجل حضور قوي لوزراء الحزب التقدمي الاشتراكي ونوابه.
وقالت مصادر مطلعة ان الخلاف لم يعد على موضوع المجلس العدلي وان البحث يدور حول إيجاد مخرج لا يُحرج رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بقبوله الإحالة الى المجلس العدلي اذا اكتملت العناصر اللازمة لهذا الامر، ولا تعطي نصرا مدويا للنائب طلال ارسلان، وانما تكون مرضية للطرفين.
وقالت مصادر متابعة للاتصالات ان لا علاقة بين جلسات الموازنة والصيغة التي تم التوافق عليها حول موضوع قطع الحساب بالحراك السياسي الهادف الى حل أزمة الحكومة وانهاء ذيول حادثة قبرشمون. ولكن اذا بلغت خواتيمها قبل إنهاء المجلس مهمته تكون خيراً على خير، وتساهم في تعبيد الطريق امام إقرار الموازنة بسلاسة بعيداً من أي مطبات سياسية أو تعقيدات دستورية.
أشغال إسرائيلية
من جهة ثانية، خرق الجيش الإسرائيلي أمس السياج التقني واقتلع أشجاراً في الجانب اللبناني من الحدود الجنوبية، وسط استنفار الجيش اللبناني وقوات «اليونيفيل».
وأفيد أن القوات الإسرائيلية اخترقت السياج التقني قرب منطقة العباد في بلدة حولا عند حدود لبنان الجنوبية، بجرافات اقتلعت عشرات الأشجار الحرجية، وسط حراسة مشددة من الدبابات وعشرات الجنود الإسرائيليين، في ظل استنفار للجيش اللبناني وقوات الطوارئ العاملة في جنوب لبنان.
وسجل الجيش اللبناني اعتراضه على هذه الأعمال، وأبلغ ذلك إلى قوات «اليونيفيل» التي بدورها أبلغت الجانب الإسرائيلي، حيث توقفت الأعمال حاليا، فيما بقيت الآليات التابعة للإسرائيليين متوقفة في مكانها، وقد حضرت إلى المكان لجنة من فريق الارتباط في «اليونيفيل» لوضع نقاط يسمح العمل بموجبها.
وفي بلدة ميس الجبل- قضاء مرجعيون، استأنف الإسرائيليون أعمال الحفر في محاذاة السياج التقني الفاصل قبالة محلة المنارة، بمؤازرة سيارتين عسكريتين. كذلك، استأنفوا أعمال رفع السواتر الترابية خلف الشريط التقني قبالة منتزهات الوزاني بواسطة جرافتين وشاحنتين.