لا تزال منظمة مجاهدي خلق ترفع شعار “الكفاح المسلح” في وجه النظام الإيراني القائم. وهو شعار ينطوي على أساليب وتقنيات صارت قديمة في ظل تطور وسائل وتقنيات قمعها والتصدي لها والقضاء عليها.
تغيرت المقاومة في عصرنا لأن وسائل ردعها وتحجيمها واحتوائها كانت قد تغيرت، بحكم أن الأنظمة السياسية صارت اليوم أكثر استعدادا لمواجهة ذلك النوع من الصدام المسلح. وهو صدام نجحت تلك الأنظمة في إفراغه من محتواه الشعبي وعزلته في مكان مغلق هو أشبه بالمختبر. عمليا يمكننا أن نتخذ من منظمة مجاهدي خلق الإيرانية مثالا.
في سالف أيامها، في ثمانينات القرن الماضي استطاعت تلك المنظمة أن تهز النظام الإيراني وتوجعه وتكبده خسائر لم يكن وقتها على استعداد لمواجهة تبعاتها. غير أن ذلك الزمن انتهى. فالنظام الذي لم يسقط بفعل تلك الأحداث هو اليوم أقوى مما كان عليه بالأمس. في المقابل فإن منظمة مجاهدي خلق فقدت الكثير من حيلها في المراوغة على الساحة الداخلية بسبب عنف النظام وسيطرته الأمنية المشددة، كما أنها تفتقد إلى الدعم الدولي الحقيقي.
تراجع دور المنظمة ولم يعد النظام بالرغم من يقظته الأمنية الشديدة يشعر بقلق المواجهة معها، وهو الذي يخوض نزاعا تحف به المفاجآت مع العالم الخارجي وبالأخص مع الولايات المتحدة.
عبر سنين نضالها فقدت تلك الحركة أكثر من 120 ألفا من مقاتليها ومناصريها وهو رقم يمكن أن يُشير إلى اتساع شعبيتها، وفي الوقت نفسه إلى الأساليب الهمجية التي اتبعها النظام في مواجهتها.
يمكن للمنظمة أن تقيم متحفا لضحاياها. وهو ما فعلته في معسكر “أشرف 3” الواقع في ألبانيا، غير أن من المستبعد أن يثير ذلك المتحف الحماسة لدى الإيرانيين في الداخل لاتباع أساليب وتقنيات المنظمة في المقاومة.
ذلك أمر حسن بالرغم من أن أتباع المنظمة يجدون فيه نوعا من الكسل وضعف الوعي الوطني. وهنا بالضبط تكمن المسافة بين طريقين. الأول هو طريق المقاومة من خلال الكفاح المسلح الذي مضى زمانه، وطريق المقاومة من خلال الفعل الثقافي وتأسيس بنية اجتماعية مقاومة لمفاهيم النظام السياسية.
لقد اتبعت الكثير من حركات التحرر الوطني طريق الكفاح المسلح. كانت تلك الحركات مضرب مثل في التضحية والصلابة والنبل والشهامة. ذلك مؤكد. ولكن أحدا لم يخبرنا بالنتائج التي انتهت إليها تلك الحركات. لا أحد يرغب في أن يضعها بين قوسي الفشل.
ألم تنته منظمات الكفاح الفلسطيني المسلح بعد سنوات طويلة من الحرب إلى الفشل؟ هل كان وديع حداد وجورج حبش يحلمان بـ”اتفاقية أوسلو” وبـ”السلطة الفلسطينية”؟
يصعب على الكثيرين الاعتراف بأن اللجوء إلى الكفاح المسلح هو خيار انتحاري. ما ينطوي عليه ذلك الخيار من أثمان فادحة لا بد أن يكون مأساويا قياسا إلى النتائج التي تتمخض عنه.
متحف شهداء منظمة مجاهدي خلق يحتوي على صور 120 ألف إنسان هم موتى اليوم. لو استيقظ أولئك الموتى من نومهم الأبدي ونظروا إلى ما تحقق من موتهم لندموا. معسكر في ألبانيا أقيم قبل سنتين بعد أن كان في العراق. لا أحد يخبرك عن نوع سكانه. ماذا يعملون؟ كيف يقضون أوقاتهم؟ هل هم لاجئون أم بشر معلقون في الهواء؟ ماذا عن أطفالهم؟ وغيرها من الأسئلة التي تتعلق بالوضع البشري. كل أحلام القتلى تُختصر في بقعة أرض صغيرة يحيطها سياج عن العالم الخارجي وتفصلها عن إيران بحار وبلدان ودموع وأحزان.
من حق منظمة مجاهدي خلق أن تفتخر بماضيها النضالي، غير أن الرهان على أساليب وتقنيات ذلك النضال في الوقت الحاضر إنما يعبر عن عجز عن فهم مستجدات العصر، كما أنه يلحق المنظمة بالماضي كما لو أنها كائن متحفي وهو أمر لا تستحقه. مقاومة النظام الإيراني القبيح واجبة على إنسان يؤمن بالحياة وجمالها. ذلك مؤكد. ولكن الكفاح المسلح ليس هو السبيل إلى ذلك.