حصد الصوم المتقطّع اهتماماً كبيراً خلال السنوات الأخيرة كوسيلة لخسارة الوزن والشعور بصحّة أفضل عموماً. كل أنواع هذا الشكل من الصوم مبنيّة على مفهوم واحد: الأكل خلال فترة معيّنة من اليوم، والامتناع عن أيّ طعام خلال الساعات المتبقية باستثناء شرب المياه.
وتعليقاً على هذا الموضوع، قالت إختصاصية التغذية، عبير أبو رجيلي، لـ«الجمهورية» إنّ «حمية 16:8 تُعتبر من أكثر أنواع الصوم المتقطع شيوعاً بين الأشخاص الذين يرغبون في التحرّر من وزنهم الزائد وحرق الدهون بنسبة عالية، علماً أنّ واحداً من هذين الرقمين يرمز إلى الفترة التي يُسمح خلالها بتناول الطعام، في حين أنّ الثاني يُعنى بالصوم. أي، يُسمح بالأكل خلال 8 ساعات من النهار، وفي المقابل الصوم لـ16 ساعة. هذه الدورة يمكن إعادتها بطريقة منتظمة، أي مرّة أو مرّتين أسبوعياً أو حتى يومياً على فترة زمنية محددة إعتماداً على طريقة اتباع الحمية».
وأوضحت أنه «في حين أنّ أنظمة غذائية عدة تشتهر بقواعدها القاسية والمقيّدة وحرمان الشخص من مأكولات كثيرة، إلّا أنّ حمية 16:8 تسمح لصاحبها بتناول ما يُريد خلال الساعات الثمانية، لذلك تُعتبر أكثر مرونة وسهولة وتقدّم نتائج ملحوظة بجهود أقل».
دورها في عالم الرشاقة
وعن دورها في عالم الرشاقة، تطرّقت أبو رجيلي إلى الدراسات العلمية التي أُجريت في هذا الصدد، أبرزها ما نُشر أخيراً في مجلّة «Nutrition and Healthy Aging»، حيث تتبّع الباحثون 23 بالغاً بديناً اكتفوا بالأكل من 10 صباحاً حتى 6 مساءً لمدة 12 أسبوعاً، ووجدوا أنهم استهلكوا 350 سعرة حرارية أقل في اليوم مقارنةً بالجموعة المتحكّم فيها. فضلاً عن أنهم خسروا بضع كيلوغرامات وانخفض لديهم معدل ضغط الدم الانقباضي. يبدو أنّ التوقف عن الأكل لفترات أطول يدفع الجسم إلى حرق الدهون والحدّ من ارتفاع السكر في الدم. توافر هذين العاملين يعني تقليل ارتفاع معدلات السكر في الدم وانخفاضها، وهي الحالة التي تدفع الشخص إلى الشعور بجوع أكثر. ناهيك عن أنّ تقييد الأكل لوقت معيّن يُسيطر على الشهيّة من خلال خفض هورمون الجوع Ghrelin».
ولفتت إلى «وجود سبب آخر يجعل متتبعي حمية 16:8 يأكلون كميات طعام أقل. فهم يجدون عادةً صعوبة في الحصول على كل الوجبات والسناكات المعتادة خلال 8 ساعات، ما يساهم أخيراً في حذف أطباق معيّنة أو خفض الحصص. وبالإضافة إلى خسارة الوزن، أظهرت الأبحاث أنّ حمية 16:8 يمكن أن تسيطر على نسبة السكر في الدم، وتحسّن وظائف الدماغ، وتؤثر إيجاباً في إطالة مدة الحياة».
أصول تطبيقها
لكن كيف يمكن بدء غذاء الصوم المتقطع 16:8؟ شرحت خبيرة التغذية أنّ «المطلوب تحديد 8 ساعات خلال النهار لتناول الطعام، وما تبقى من اليوم يتمّ الامتناع عن الأكل كلّياً والاكتفاء بشرب المياه. ولتسهيل تطبيقه، يُفضّل العديد من الأشخاص بدء الأكل عند الساعة 12 ظهراً حتى 8 مساءً، وبالتالي الصوم فقط خلال فترة المساء عند اقتراب موعد الخلود إلى الفراش. وبذلك يمكنهم الحصول على وجبتَي الغداء والعشاء وحصص معيّنة من السناكات. أمّا البعض الآخر فقد يُفضّل الأكل ما بين 9 صباحاً حتى 5 عصراً، فيحصلون على الفطور، والغداء، وسناك خفيف، والعشاء عند الساعة 4. إذاً يمكن لكل إنسان أن يختار 8 ساعات بالطريقة التي تناسب نمط حياته».
غير أنّ أبو رجيلي حذّرت من أنّ «الفترة المخصّصة للأكل يجب ألّا تسودها السلوكيات العشوائية. الأشخاص الذين يتبعون هذه الحمية ويأكلون كثيراً ويفرطون في الوجبات السريعة والكالوريهات العالية، لن يحققوا إطلاقاً النتائج المرجوّة، لا بل الأخطر أنهم قد يُعرّضون صحّتهم لمشكلات جدّية للغاية».
واستكملت حديثها: «حتى عند السماح بالأكل خلال 8 ساعات، يجب الانتباه إلى أنواع الأطعمة التي يتم اختيارُها، والحرص على عدم المبالغة في مجموع السعرات الحرارية، والتأكد من استهلاك وجبات صحّية عدة خلال النهار حِفاظاً على استقرار معدل السكر في الدم وتفادياً للجوع خلال فترة الصوم. من الأساسي التركيز على المأكولات الصحّية المليئة بمختلف المغذيات، والتنويع في كافة الأصناف كالفاكهة (تفاح، وموز، وبطيخ)، والخضار (بروكلي، وخيار، وبندورة، وفلفل، وورقيات خضراء)، والقمح الكامل (كينوا، وأرزّ أسمر، وشوفان)، ودهون جيّدة (زيت الزيتون، والأفوكا)، والبروتينات (صدر دجاج، ولحم البقر، والسمك، والبيض). أمّا بالنسبة إلى المشروبات، فالمطلوب التركيز على المياه في المقام الأول وتوفير ما لا يقلّ عن 1,5 لتر يومياً، والسماح باحتساء القهوة والشاي غير المحلّيين والخاليين تماماً من الكريما والإضافات الأخرى».
وختاماً، شدّدت أبو رجيلي على أنّ «الصوم المتقطّع لا يُلائم الجميع، وبالتالي يجب عدم اتباع حمية 16:8 في حال استخدام الإنسولين، أو معاناة اضطراب غذائي معيّن، أو الحمل أو التخطيط لإنجاب الأطفال. يجب استشارة الطبيب وإختصاصية التغذية دائماً قبل بدء أيِّ نوع من الأنظمة الغذائية».