عقدت هيئة مكتب الاتحاد العمالي العام اجتماعا ظهر اليوم، تلا بعده نائب رئيس الاتحاد حسن فقيه، بيانا طالب فيه النواب بأن "يفوا بالوعود التي اطلقوها قبل الانتخابات النيابية، باقامة اصلاح حقيقي".
"بينما كانت الناس تنتظر من المجلس النيابي الكريم والحكومة اللبنانية البدء بإنجازات مطمئنة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي وحل مشكلاتهم الملحة على كل الصعد، فإنه للأسف، كأنما كتب عليهم ان يبتلوا بنظام سياسي طائفي ومذهبي تجري تغذيته كل يوم بالخطابات والتصريحات لشد العصب الطائفي لهذه الفئة أو تلك، ليستمر التشنج والانقسام المفتعل بين المواطنين الذين اعتقدوا ان الامن استتب ومشاريع الحروب والتوترات وراءهم بعد حروب دفعوا ثمنها أغلى ما عندهم من ارواح ودماء ودمار.
إن هذا النظام، كما أكدنا دائما في الاتحاد العمالي العام، هو نظام مولد للازمات الدورية، وقبل الحديث عن اي اصلاح اقتصادي او اداري يجب ان نبدأ بالاصلاح السياسي، انطلاقا من اقرار قانون انتخابات نيابية قائم على النسبية على الصعيد الوطني، الى اعتبار المدخل الى الوطن والمواطنة هو دولة العدالة وسيادة القانون وتحرير القضاء ووقف التحاصص الطائفي وتفعيل وتطوير واحترام اجهزة الرقابة، فيكفي اللبنانيين خوفا على مصير مستقبل ابنائهم في الاستقرار والعمل والعيش اللائق في وطنهم.
وقد أتت الاحداث المؤلمة الاخيرة التي لا تزال تجر ذيولها وسمومها في المجتمع وتزرع المخاوف، لتضاف الى بلوى أخرى هي مشروع موازنة للعام 2019 التي أقل ما يقال فيها انها مشروع جباية أموال ونهب علني ومقونن من جيوب الاكثر فقرا وإعفاء كبار الاثرياء وأصحاب الرساميل والمصارف ومافيات المحروقات والدواء والمواد الغذائية والمغتصبين للاملاك البحرية والنهرية والبرية من أي ضريبة حقيقية. وفي غياب الحل الوحيد لإعادة التوازن الى الموازنة العامة عن طريق فرض الضريبة التصاعدية كما في كل البلدان الرأسمالية لإعادة توزيع الثروة بشكل أقل إجحافا، ها هي الحكومة بمشروعها تلقي كل الاعباء المالية على الفقراء وتتسامح مع كبار الشركات بمئات ملايين دولارات من رسوم وضرائب، وتترك التهرب الضريبي والتهرب من المرافق ومداخل البلاد بلا حدود، وهي محميات لهذه الطائفة او تلك او برعاية هذا الزعيم او ذاك.
وفي ما يتعلق ضريبة الـ2 % على المستوردات بحجة حماية الصناعة الوطنية التي يتبين انها ليست سوى قيمة مضافة مقنعة تفوق الخمس على القيمة المضافة الموجودة، تسربت أفكار لجس النبض حول إمكان زيادة القيمة المضافة بنسبة 5 % ورسم على صفيحة البنزين بقمية خمسة آلاف ليرة لبنانية.
ولا يكفي الناس موجة البطالة حتى تمتنع الدولة والمصارف عن دعم الصناعة والزراعة بسبب الفوائد الخيالية، بينما يجني كبار المودعين الفوائد الكبرى على سندات الخزينة.
إن الاتحاد العمالي العام، إزاء كل ما تقدم، يطالب المجلس النيابي الذي مرت سنة ونيف على انتخابه بأن يفي أعضاؤه بالوعود التي أطلقت في الانتخابات بالاصلاح الحقيقي، وبأن يتصدى لمشروع حكومة "الى العمل" وهو عمل ضد الناس ليس الا بمنع تمرير اي قرار او قانون او مرسوم يطال الفئات المفقرة من عمال وموظفين ومتعاقدين ومتقاعدين في القطاعين العام والخاص، وان على معالي وزير العمل ان يدعو لجنة المؤشر فورا الى الاجتماع والبحث الجدي في تصحيح الاجور في القطاع الخاص ورفع الحد الادنى الى المستوى المعيشي اللائق، وان ينصف الناجحون في مجلس مباريات مجلس الخدمة المدنية والعاملون في المستشفيات الحكومية وسواهم من الفئات المستغلة والمظلومة التي بعضها لم يتقاض اجرا منذ اكثر من اربعة عشر شهرا من قبل كل الوزراء المعنيين في الحكومة.
كذلك، وبعد ان توسم اللبنانيون خيرا بإقرار خطة الكهرباء الجديدة، وبدلا من تخفيض ساعات التقنين، ها هي وزيرة الطاقة تصرح علنا أن التقنين سيزداد هذا الصيف، علما أنه يطال المناطق الريفية الفقيرة بأعلى المعدلات، فيما الاغنياء ينعمون بأفضل انواع المولدات صيفا وشتاء، ويدفع العمال والمزارعون وذوو الدخل المحدود وحدهم ثمن هذه المهزلة المستمرة منذ نحو أكثر من عشرين عاما.
اخيرا، ان العمال والاتحاد العمالي ليسوا مسؤولين عما آلت اليه الاوضاع وان الطبقة السياسية الحاكمة منذ اكثر من ثلاثين عاما هي التي أودت بالبلاد الى هذا الوضع السياسي والمالي والاقتصادي، وهذه الطبقة تشكل شركة فعلية بين اصحاب المال والسلطة التي تتواطأ مع البنك الدولي وصندوق النقد على تصفية كل ما له من قطاعات عامة من كهرباء ومياه واتصالات ونظافة وصحة لصالح القطاع الخاص بأبخس الاسعار بعد العمل الدؤوب لافشال هذه القطاعات عن قصد وعمد كما يجري خصوصا في قطاعي الكهرباء والمياه وسواها من الخدمات الاساسية.
ولذلك نؤكد ان الانفجار الاجتماعي والانهيار الحالي اذا ما حصل، وهو قادم رغم كل التطمينات، لن يسلم منه احد وسيغرق المركب بمن وبما فيه".