خفض عدد القوات الإماراتية باليمن ضمن خطة إعادة انتشار لأسباب استراتيجية وتكتيكية
أعلن مسؤول إماراتي كبير، الإثنين، عن قرار بلاده تنفيذ خفض في عدد قواتها بعدة مناطق يمنية ضمن خطة إعادة انتشار لأسباب استراتيجية وتكتيكية، موضحا أنّ الإمارات تعمل على الانتقال من استراتيجية القوة العسكرية إلى خطّة للسلام في اليمن.
وذكر المسؤول الذي تحدّث للصحافيين في دبي، محافظةَ الحديدة بغرب اليمن ضمن المناطق المشمولة بإعادة الانتشار، موضّحا أنّ “الأمر يتعلّق بالانتقال من استراتيجية القوة العسكرية أولا إلى استراتيجية السلام أولا”.
ومن جهته أكّد مسؤول عسكري في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا أنّ الإمارات “أخلت معسكر الخوخة جنوب الحديدة وسلّمته قبل أيام لقوات يمنية”، مستدركا بأنّ القوات الإماراتية “لا تزال تدير الوضع العسكري في الساحل الغربي بشكل كامل مع القوات اليمنية ضمن عمليات التحالف بقيادة السعودية”.
وعلى مدار السنوات الماضية التي شهد خلالها اليمن أوضاعا بالغة التعقيد جرّاء انقلاب الحوثيين على السلطات اليمنية وغزوهم مناطق شاسعة بالبلد، قامت دولة الإمارات العضو الرئيسي في التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، بدور حيوي متعدّد الأوجه في البلد لم يقتصر على المشاركة في مواجهة ميليشيا الحوثي عسكريا وتقديم مختلف أنواع الدعم لقوات المقاومة والجيش الوطني، بل تعدّاه إلى مواجهة الإرهاب والتصدّي لمحاولة تنظيم القاعدة استغلال الظرف الاستثنائي في اليمن والاستيلاء على أجزاء من أراضيه، وهو ما تجسّد من خلال عملية طرد التنظيم من المكلاّ مركز محافظة حضرموت بالشرق اليمني، وهي العملية التي كان للإمارات دور حاسم فيها.
كذلك اضطلعت الإمارات بدور إنساني وإغاثي وتنموي في العديد من المناطق اليمنية وأوصلت عبر ذراعها الإنسانية هيئة الهلال الأحمر الآلاف من الأطنان من المساعدات المتنوعة من أغذية وأدوية وألبسة وأغطية ومعدّات إيواء لسكان المناطق الأكثر فقرا وتضرّرا من الحرب والكوارث الطبيعية. كما دعّمت العملية التعليمية في العديد من المناطق اليمنية وافتتحت العديد من المدارس وقامت بتجهيزها.
وإلى جانب ذلك أظهرت الإمارات دعما مستمرّا لجهود حلّ القضية اليمنية بالطرق السلمية، والتي قادتها الأمم المتّحدة عبر مبعوثيها إلى اليمن.
وزار المبعوث الخاص لأمين عام الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث الإمارات مؤخّرا حيث أجرى مباحثات مع وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي ريم الهاشمي ووزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش الذي قال “إن التحالف العربي يسعى إلى حلّ مستدام يعزز الأمن والاستقرار في المنطقة من خلال دولة يمنية قادرة ومؤسسات دستورية راسخة”، مشيرا “إلى ضرورة تطبيق بنود اتفاق ستوكهولم وإلى أهمية ضغط المجتمع الدولي لتطبيق الالتزامات الواردة في الاتفاق”.
وفي حال تمّ التوصّل إلى الحل السلمي العادل والمنشود، فإنّ الإمارات مرشّحة بقوّة لقيادة جهود إعادة الإعمار في اليمن، وهو ما يبدو ضمن أهداف حكومة معين عبدالملك الذي زار الإمارات الشهر الماضي، وقال إنّ لدى حكومته قنوات اتصال فعّالة ومباشرة مع قيادات دول التحالف وإن الحكومة تحظى بدعم قوي ومساندة كبيرة من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وتنشر الإمارات في اليمن بضعة آلاف من قواتها، خصوصا في المنطقة الجنوبية والغربية، وتقود حملتين رئيسيتين، الأولى ضد المتمردين على ساحل البحر الأحمر وفي محيط مدينة الحديدة، والثانية ضد تنظيميْ القاعدة والدولة الإسلامية اللذين استغلا النزاع لتعزيز نفوذهما في مناطق القتال.
وإلى جانب ذلك اضطلعت الإمارات بدور حيوي في بناء قوات يمنية تؤدي الآن دورا مهمّا في حفظ الاستقرار في عدد من مناطق البلاد.
وقال المسؤول الإماراتي إن الحديدة هي واحدة من أكثر المناطق التي ستتأثّر بعملية إعادة الانتشار لأنها مشمولة باتفاق سياسي تدعمه الإمارات، مضيفا “لذا فإنّه من المنطقي أن نعيد الانتشار بعيدا عن الحديدة”، ومتابعا “إعادة انتشارنا في مناطق أخرى من اليمن تكتيكية”.
ورغم عملية إعادة الانتشار، شدّد المسؤول الإماراتي على التزام بلاده بدورها ضمن التحالف العسكري بقيادة السعودية، كاشفا “نقاشنا بشأن إعادة الانتشار يجري منذ نحو عام، وقد تعزّز بعد التوصل إلى اتفاق ستوكهولم في ديسمبر” الماضي، في إشارة إلى الاتفاق الذي أبرم في السويد بين الأفرقاء اليمنيين، ونصّ على وقف لإطلاق النار في الحديدة وسحب القوات منها.
وقال المسؤول ذاته “هذا ليس قرار اللحظة الأخيرة. إنّه جزء من المسار وقد جرت مناقشته بشكل مكثّف مع شركائنا السعوديين”، مؤكّدا أنّ “التزامنا في اليمن يبقى كما هو. ونحن جزء من التحالف”، كما شدّد على الالتزام بمكافحة الإرهاب.
وبحسب المسؤول العسكري اليمني، فإنّ الإمارات درّبت قوات يمنية تقدر بعشرات الآلاف لمحاربة القاعدة وداعش في محافظات جنوب اليمن المحررة، أبرزها عدن والمكلاّ وشبوة.
واعتبر أنّ “الإماراتيين لا يمكن أن ينسحبوا من حرب اليمن”، موضحا “لا تزال قوات الإمارات تتواجد في مواقع ومحافظات مختلفة”.
وتتزامن الخطوات الإماراتية في اليمن مع توتر متصاعد بين إيران والولايات المتحدة على خلفية اعتداءات على ناقلات نفط قرب مضيق هرمز، وتعزيز واشنطن حضورها العسكري في المنطقة، وتراجع إيران عن بعض التزاماتها ضمن الاتفاق النووي الدولي الذي تم التوصّل إليه في 2015.
ونفى المسؤول الإماراتي وجود صلة بين تلك التطورات وقرار بلاده بإعادة الانتشار في اليمن قائلا “العديد من الناس يسألون عمّا إذا كان هذا الأمر مرتبط بالتوتر المتصاعد مع إيران.. أقول لا”. لكنه أضاف أنّه في الوقت ذاته “لا يمكننا أن نغضّ النظر عن الوضع الجيواستراتيجي بشكل عام”.