لا يمكن التقليل من شأن الأحداث الأمنية في الجبل وتفاعلاتها السياسية، ولا تبسيطها ولا حتى الأخذ بالنظريات والتفسيرات التي أعطاها طرفا المواجهة: الحزب الاشتراكي والتيار الوطني الحر.
فما حدث ليس فقط نتيجة نزاع بين وزير يرى أن له حق في زيارة منطقة الجبل وأي منطقة أخرى، وليس هناك من منطقة مغلقة في لبنان في وجه أحد.
وبين زعيم هذه المنطقة الذي يرفض «زيارة تجري بطريقة استفزازية» وتصب في خدمة الخطة الجارية لتطويقه وإضعافه.
هذه ظواهر الأمور وليس عمقها، والمسألة ليست مسألة «زيارة وحق واستفزاز»، وإنما مسألة معقدة تتداخل فيها مصالح وهواجس الطوائف والزعامات والخصوصيات والتوازنات.
إنها مسألة توترات سياسية تراكمت وتفاعلت وانفجرت في الشارع في خرق فاضح لقواعد اللعبة والتسوية.
ما حدث في طريقه الى الاحتواء والوضع لم يخرج عن السيطرة.
المصالحة سياسية أولا ولكنها غير كافية، ولابد أن تصاحبها معالجة أمنية وقضائية، لأن مساً حصل بأمن الجبل وهيبة الدولة.
ما حدث أكد على ثبات التسوية والحكومة، وأن أحدا لا يريد تفجيرها ولا يستطيع تحمل أمر كهذا، ولكن أظهر من ناحية ثانية أن نكسة أمنية وصدمة سياسية حصلتا، وأن شيئا ما تغير في المناخ العام، وأن اهتزازا حصل في العلاقات السياسية.
ما حدث كان سريعا وخاطفا مثل الصاعقة، ولكن شظاياه السياسية أصابت أكثر من موقع، وتفاعلاته ونتائجه مستمرة وهذه أبرزها:
1 - خرج رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من هذه الجولة «رابحا» ومن مصلحته أن تقف الأمور عند هذا الحد الذي يكفيه لرد الاعتبار واستعادة المبادرة.
ومقارنة بسيطة بين الوضع الذي كان فيه قبل ٣٠ يونيو (يوم الحادثة) والوضع الذي صار فيه بعدها، يتبين أن جنبلاط انتقل من موقع الدفاع و«المتلقي» الى موقع الهجوم و«المبادر»، ونجح في إيقاف مسار كان يحاصره وأشعره بضيق شديد وحصل على احتضان وحماية مراجع شيعية (بري) وسنية (الحريري) ومسيحية (جعجع وفرنجية والجميل).
ونجح جنبلاط في تسديد ضربته الاعتراضية في توقيت حساس، ولكنه ملائم لمنع حصول رد عليه وتدفيعه ثمن هذه الخطوة الجريئة التي تجاوزت الخط الأحمر «السياسي».
فلبنان الموجود وسط محيط إقليمي مضطرب ومتغير، وفي ظل أزمة اقتصادية خانقة وتوازن سياسي هش، ليس جاهزا للخوض في أزمات داخلية كبيرة ولا يحتمل خطوات على أرض الجبل لحل المشكلة عن طريق القوة العسكرية.
ولا يحتمل خطوات حكومية لحل المشكلة عن طريق «الحسم القضائي» (المجلس العدلي).
2 - خرج جبران باسيل رئيس التيار الحر من هذه الجولة «جريحا» بالمعنى السياسي للكلمة.
هو يشعر بأنه جرح في كرامته السياسية عندما جرى تحميله مسؤولية ما حدث والدم الذي أريق واختصار كل المشكلة في زيارته الاستفزازية، مع أنه قام بزيارات مماثلة الى بشري وزغرتا والمتن والبقاع ولم تواجه باعتراضات مماثلة.
وهو يكتشف أيضا مع الحملة غير المسبوقة التي شنت ضده أنه هو، وليس جنبلاط، المطوق بخصومات كثيرة والمستهدف بحملة لا تهدف الى ضرب العهد بقدر ما تهدف الى ضرب مشروعه لرئاسة الجمهورية وقطع الطريق عليه.
تطورات هذا الأسبوع أشعرت باسيل بالإحراج الشديد الى الحد الذي يدفعه الى إجراء مراجعة حسابات في أسلوبه وأدائه، وحتى في زياراته المناطقية، وأيضا مراجعة علاقاته السياسية، وحتى علاقته مع الرئيس سعد الحريري التي تتعرض لاهتزازات متلاحقة، بعدما استهدفت بشكل مركز منذ ما بعد الانتخابات النيابية.
وبعدما يكاد الفرز السياسي في البلد أن يصبح ليس على أساس من مع ٨ و١٤ آذار، بل من مع باسيل ومن ضده.
3 - المشكلة كما انفجرت على أرض الجبل هي مشكلة درزية ـ درزية، ولكن الاشتراكي نجح في تحويل الأنظار عن هذه المشكلة وفي تحويلها الى مشكلة مع التيار الوطني الحر

 

الانباء الكويتية