على وقع تشييع رامي سلمان احد ضحايا الحزب الديموقراطي اللبناني في حادثة قبرشمون، وما رافقه من مواقف، لم يُسجّل امس أي تقدّم في الاتصالات الجارية لمعالجة ذيول أحداث الجبل، بل انّ المواقف التي صدرت من هنا وهناك دلّت الى انّ الايجابيات التي شاعت على قلّتها قد تبددت في مقابل تصاعد السلبيات، على رغم استمرار المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم في مساعيه بين المعنيين.
فبعد المطالبات من هنا وهناك بأن يضع رئيس الجمهورية يده على ما جرى ويرعى لقاء مصالحة بين المعنيين في القصر الجمهوري، وفيما كان اللواء ابراهيم يستمر في تسويق صيغة حل تقوم على استبعاد إحالة حادثة قبرشمون الى المجلس العدلي مقابل معالجة أمنية ـ سياسية تبدأ بتسليم القتلة وتنتهي بمصالحة يرعاها رئيس الجمهورية، إنقلب الوضع الى السلبية نتيجة تمسّك كل طرف بمواقفه وبدء الاستثمار في ما حصل سياسياً، فأطلقت مفوضية الاعلام في الحزب التقدّمي الاشتراكي «هاشتاغ» بعنوان «قدّ الكل»، قالت انّها لجأت اليه «عطفاً على الجهود التي بذلها رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، وكسراً للحصار السياسي الذي تحاول بعض القوى فرضه على المختارة».
وفي الإطار، قال وليد جنبلاط في تغريدة له لاحقاً: «في حادثة الشحار التي وقعت تمّ تسليم مشتبهين. ويبقى على القضاء ان يقرر درجة مسؤوليتهم في الحادثة التي جرت اثناء مرور الموكب الاستفزازي والاعتداء على المواطنين العزل في قرية البساتين، وقد كان موقفهم وفق رأيي الدفاع عن النفس. ان الحق معنا مهما طال الزمن ولا تخافوا يا اهل البساتين».
وقد فهم التيار الوطني الحر هذا «الهاشتاغ الاشتراكي» بأنّه رد على شعاره الذي يسمّي فيه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «بي الكل».
وفيما كانت الاصوات ترتفع في تشييع رامي سلمان مطالبة بإحالة أحداث قبرشمون على المجلس العدلي، قال عون امام وفد من زحلة، إنّ «ما حدث ليس عارضاً ويجب أن لا يتكرّر، وحرية تنقّل اللبنانيين في المناطق يجب أن تبقى مصانة، فكيف بالحري حرّية تنقّل ممثلي الشعب من وزراء ونواب يمثلون الأمة اللبنانية، خصوصاً اذا كان تنقّلهم في المنطقة التي انتُخبوا فيها». وقال: «إذا أرادت الأحزاب أن تتمسّك بطابعها الطائفي فلبنان الى زوال. المنطقة كلها تواجه خطر التقسيم، ولا نريد ان يصبح لبنان بلداً للكانتونات في ظلّ ما يجري فيها». وشدّد على أنّ «المصالحة في الجبل ثابتة ولا يجب ان يخشى احد على ذلك. وما حصل في العام 1983 لن يتكرّر اليوم». وأكّد «وجوب تقديم مرتكبي الاحداث الاخيرة الى القضاء لتأخذ العدالة مجراها الطبيعي، وهذا ما سيحصل دائماً».
«لا معلقة ولا مطلقة»
وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية»، انّ الاتصالات لم تنجح بعد في إزالة الموانع من امام انعقاد مجلس الوزراء، واصفة وضع الحكومة حاليا بأنّها «لا معلّقة ولا مطلّقة». وأشارت إلى أنّ الاتصالات توزعت امس بين المقار السياسية والرسمية، إلاّ أن العائق الأساس الذي اصطدمت به هو الاصرار على إحالة حادثة قبرشمون على المجلس العدلي، وهو الأمر الذي يُقَسّم الحكومة بين مؤيّد ومعارض. وفي هذه الحال يستحيل انعقاد مجلس الوزراء، لأنّ هذا الإنقسام قد يؤدي الى اشتباك كبير داخل الحكومة من غير المستبعد ان يفجّرها، وساعتئذ تُضاف الى أزمة قبرشمون، أزمة حكومية خطيرة، يصبح من الصعب جداً تداركها.
وإذ تساءلت المصادر عن «الحكمة من الاصرار على إحالة الحادثة على المجلس العدلي، في الوقت الذي يستطيع القضاء العادي أن يقوم بدوره كاملاً، ويميط اللثام عن كل الملابسات، وصولاً الى معاقبة المتورطين»، أكّدت «أنّ هذا الإصرار يندرج في سياق الاستثمار السياسي ومحاولة بعض الأطراف تسجيل نقاط سياسية وشعبوية على أطراف أخرى».
وقالت المصادر، «إنّ الأطراف المعنيّة بحادثة قبرشمون غير متجاوبة مع الاتصالات التي تجري، إذ أنّها تُبلِغ الى الوسطاء ايجابيات ونيّات حلحلة، إلاّ أنها في الوقت نفسه تقوم بخطوات تزيد من حدّة التصعيد». واعربت عن خشيتها من تفاعل التوتر بينها اكثر، خصوصاً في ظل الاتهامات التي يتبادلها المعنيون، بالإضافة إلى السباق في ما بينهم على عرض فيديوهات جديدة عن الحادث، وترويج روايات أمنية تدعم وجهة نظر كل طرف.
وكان اللواء إبراهيم قال بعد زيارته رئيس الحكومة سعد الحريري، «إّن جميع الافرقاء يحافظون على التزاماتهم في موضوع حادثة الجبل والاتفاق يسير على قدم وساق»، مشيراً الى اننا «لا نريد تحويل الوقت عامل ضغط».
باسيل
في هذه الاجواء، سيزور باسيل طرابلس اليوم في اطار جولاته على المناطق وفروع التيار الوطني الحر. وعشية هذه الزيارة اصدرت قيادة الدرك الى المديرية العامة لقوى الامن الداخلي وقيادة منطقة الشمال تعميم خدمة لمناسبة زيارة باسيل للشمال طلبت فيه «رفع نسبة الجهوزية الى مئة في المئة في قطعات منطقة الشمال»، وذلك اعتباراً من السابعة صباح اليوم و«الى حين انتهاء المهمة».
الشعّار
وأمل مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار أن يكون باسيل أخذ العِبر من زيارته الاخيرة إلى الجبل. وقال لـ«الجمهورية»: «انّ جميع اللبنانيين في وسعهم دخول طرابلس، وهي ليست محظورة على أحد، لكنني أطلب من جميع الزوار أن يُمثلوا ثقافتهم وتربيتهم ومسؤوليتهم، وحرصهم على الوحدة الوطنية، وأن يختاروا من الكلام أطيبه وأقربه إلى قلوب الناس». وتوجّه إلى أهالي طرابلس قائلاً: «عبِّروا عن مواقفكم بما يتناسب مع تربيتكم وفهمكم الوطني والاجتماعي والثقافي، فالتعبير قضية أخلاقية لا يجوز أن تتوتر فيها العلاقات بين أبناء الوطن. لذا أدعو الجميع مبتدئاً من نفسي بإختيار الكلمة الأكثر تحقيقاً للمصلحة الاجتماعية والوطنية».
ولفت الشعّار إلى «انّ زيارة باسيل ليست الاولى إلى طرابلس، فقد سبق أن زارني شخصياً في منزلي ولم ينشأ أي إشكال، ولكن هذه المرة يتخوف البعض من وتيرة الخطاب، ومن الكّم الكبير من التوتر في الأجواء». وقال: «ربما الناس متخوفون من الزيارة لما سبق من بعض المواقف الاستفزازية والتي تحمل توتراً عالياً، علماً انّ أي موقف سلبي سيرتد بالسوء على أصحابه وليس على أهل المنطقة فقط». وأضاف: «آمل أن يعود باسيل إلى هدوئه ورشده، وثقافته الوطنية، فهو من متخرجي الجامعة الاميركية، أي أنه يملك ثقافة مجتمعية، مدنية، ودولية». وتمنّى «ان لا تحدث أي فتنة، وأن تمرّ الزيارة في سلام، على قاعدة من أراد أن يُشارك فهذا حقه الديموقراطي، ومن لم يرد فهذا خياره، ولكن ليس من حق أحد افتعال المشكلات».
وعمّا إذا كان باسيل ضمن جولته الطرابلسية، قال الشعّار معاتباً: «لم يتصل بي أبداً للزيارة».
الموازنة
على صعيد الموازنة، علمت «الجمهورية» أنّ الاسبوع المقبل سيكون الأخير في رحلة درسها في اللجنة النيابية للمال والموازنة.
وبحسب أجواء رئيس المجلس النيابي نبيه بري، انه بدأ يعدّ العدة لجلسة مناقشة الموازنة في الهيئة العامة لمجلس النواب، والتي يبدو أنّ موعدها سيكون الاثنين 15 تموز الجاري إذا تمكنت لجنة المال من إنجاز مهمتها خلال الأسبوع المقبل.
وبرز أمس اللقاء الذي عقده رئيس مجلس النواب في عين التينة مع النواب ممثلي القوى السياسية وغالبيتهم أعضاء في لجنة المال.
واللافت في النقاش، كان التساؤلات حول ما سُميت هجمة التصنيفات للبنان من قبل بعض وكالات التصنيف الائتماني، والتضارب بين هذه التصنيفات.
إذ أن بعضها يقول بوضع اقتصادي يتطلب عناية وإجراءات، معتبراً أن الموازنة غير كافية، وأما بعضها الآخر فيقول العكس. مع التشديد هنا على ما قاله بري، من أن تقارير وكالات التصنيف كاذبة، وهي تقارير سياسية هدفها الضغط على لبنان، وعلى مصرف لبنان لأنه لم يستجب لما يطلبون.
الملفات العالقة
والى ذلك، تبيّن أنّ لجنة المال والموازنة التي أنهت مبدئياً أعمالها في درس مشروع موازنة العام 2019، وسترفع تقريرها الى رئيس المجلس، خلّفت وراءها اربعة ألغام لم تنجح في تفكيكها. والمفارقة انّ اللجنة اعتبرت انها أنجزت ما عليها ومهّدت الطريق امام إقرار سلس للموازنة في الهيئة العامة. لكن الواقع هو غير ذلك، بدليل ان النقاط التي أبقتها عالقة هي الملفات الساخنة التي يمكن ان تنفجر وتؤدي الى سقوط الموازنة من حيث الأرقام والتقديرات الواردة فيها.
وتبيّن ان لجنة المال عجزت عن التوافق على المواضيع الآتية:
اولاً - ضريبة الدخل.
ثانياً - رسم الـ2 في المئة على الاستيراد.
ثالثاً - الضريبة على المعاشات التقاعدية، وتسريح الضباط.
رابعاً ـ مسألة تأمينَ الاكتتاب بمبلغ 11 ألف مليار ليرة بفائدة 1 في المئة.
ومن المعلوم انّ هذه المسائل هي الاكثر حساسية، والفارق بين إقرارها او الاستغناء عنها يعني عملياً حصول فارق في أرقام الايرادات في الموازنة قد تصل الى اكثر من مليار دولار، وهي تضع العجز مجدداً في مستويات تفوق الـ7,6%، وبالتالي، يصبح تقديم الاوراق لدى الدول المانحة للافراج عن اموال «سيدر» موضع تشكيك مُبرّر. (تفاصيل ص 10)
ملف الترسيم معطّل
من جهة ثانية، أكّدت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» أنّ ملف ترسيم الحدود البحرية صار في حُكم المُعطّل بكامله، ولا عودة جديدة للوسيط الاميركي ديفيد ساترفيلد إلى بيروت، خصوصاً انه انتقل ليتولى مهمات جديدة في المنطقة.
وقال مرجع حزبي لـ«الجمهورية»: «إننا من الأساس لم نعلّق املاً كبيراً على التحرّك الذي بدأه ساترفيلد، خصوصا انّه كان في البداية متقلباً ثم فجأة عاد واعتمد الليونة وقدّم نفسه وسيطاً نزيهاً بين لبنان وإسرائيل. وأفهم اللبنانيين بأنه يسعى إلى حل يؤمّن حق لبنان بنفطه وغازه، وكأنه أعطاهم إبرة مخدّر. ونحن اقرب الى هذه القناعة، خصوصا أنّ ليونة ساترفيلد جاءت في ظل التمهيد لـ«صفقة القرن» وورشة البحرين، وعندما انتهى هذا الأمر عادوا إلى مربع الصفر، وبدأوا يماطلون، وتجلّى ذلك في الطرح الأخير لساترفيلد بعدم إشراك الأمم المتحدة في المفاوضات بين الجانبين اللبناني والاسرائيلي، علما إن هذا الأمر كان متفقاً عليه في بدايات حركة ساترفيلد».
وبحسب المرجع نفسه، «أنّ الامور قد تعطلت نهائياً إلاّ اذا حدثت مفاجأة غير متوقعة». واللافت أنّ بري عندما يُسأل عمّا إذا كان ملف ترسيم الحدود قد تعطل، يسارع إلى القول: «أن يتعطل الترسيم، فذلك أفضل بكثير من أن يأتي الحل لمصلحة عدو لبنان، وهنا يصح المثل الشعبي الذي يقول «فلتبك كل امهاتهم، إلاّ امي».
إسرائيل «محبطة»
في سياق متصل، أعرب وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينتز، عن إحباطه بسبب ما سمّاه «إخفاق لبنان في التوصل إلى اتفاق حول محادثات بوساطة أميركية» من أجل ترسيم الحدود البحرية بينه وبين إسرائيل. ولمح شتاينتز في لقاء مع إذاعة إسرائيلية أمس إلى أنّ السلطات اللبنانية تواجه «ضغوطاً داخلية، فهي تحت تأثير الخوف من حزب الله»، الذي يُعتبر جزءاً من حكومة الوحدة الوطنية». وأضاف أن «اللبنانيين يريدون تطوير مواردهم الطبيعية من جهة، ومن جهة أخرى يُعتَبر النزاع المستمر مع إسرائيل مدمراً لهم ولنا، لكنه مدمّر لهم بمقدار أكبر». وقال: «إنّ الحكومة اللبنانية لم ترفض رسمياً الوساطة، إلا أنّه في غضون أسبوع أو 10 أيام، سنعرف أخيراً ما إذا كنا متجهين حقاً نحو المحادثات، أو أن هذه القضية ستؤجّل لسنة أو سنتين أو ثلاث سنوات أخرى».