وأجمع مراقبون عراقيون على أن التوجيهات الحكومية الجديدة لم تتضمن تعديلا جوهريا على أصل القانون الذي شرعه البرلمان العراقي قبل ثلاثة أعوام لتنظيم عمل الحشد الشعبي، والتعليمات التي صدرت لاحقا لتنفيذ هذا القانون، لكنها سلطت الضوء على الإشكالية التي تمثلها هذه القوة بالنسبة للحكومة العراقية.
وبالنسبة للكثيرين في العراق، فإن العديد من فصائل الحشد الشعبي، تعمل خارج سلطات الحكومة العراقية، ولا تملك الأخيرة حقّ محاسبتها أو حتى تحريكها، ما يسبب حرجا بالغا لبغداد في إطار علاقاتها مع دول جارة في المنطقة، فضلا عن الولايات المتّحدة والغرب.
ويحذر مراقبون من الإفراط في التفاؤل بشأن أثر التوجه الحكومي على المشهد العام للبلاد، في ظل الارتباط الوثيق بين الفصائل القوية في الحشد الشعبي وإيران، ما يمنحها زخما سياسيا، ربما تعجز المؤسسة الرسمية في بغداد عن مجاراته.
وفي حال عقدت الحكومة نيتها في فرض سلطتها على هذه القوة المؤثرة، فإن ذلك يستلزم وضع المواجهة المسلحة معها في الحسبان، وهو خيار تشجع الولايات المتحدة القادة العراقيين بشدة على تبنّيه.
لكن مواجهة من هذا النوع، يجب أن تأخذ رد الفعل الإيراني بالحسبان، فطهران لن تسمح لبغداد بتصفية حليف من هذا النوع، في وقت يشهد تصعيدا كبيرا بين الولايات المتحدة وإيران.
ويعتقد الكثيرون أن دخول السيستاني على الخط الداعم لتحجيم قوة الحشد الشعبي في العراق، من شأنه أن يعزز قدرة الحكومة في المضي قدما لتنفيذ خططها، وسط تشكيك مراقبين بقدرة رئيس الوزراء نفسه على الذهاب بعيدا في مواجهة الحشد.
ويتعلق مصير عبدالمهدي سياسيا بالدعم الذي توفره كتلة الفتح البرلمانية التي تمثل معظم قوى الحشد الشعبي في مجلس النواب بزعامة هادي العامري المقرّب من إيران.
ولا يمكن تصور تبني عبدالمهدي منهجا صداميا مع الأطراف المتمردة في الحشد الشعبي من دون فك شراكته السياسية مع كتلة الفتح، ما يعني أن ثمن المواجهة ربما يكون إسقاط الحكومة نفسها.
لكن الطرف الآخر الذي يعتمد عليه عبدالمهدي في تغطية حكومته برلمانيا يتمثل في تحالف سائرون، الذي يرعاه مقتدى الصدر، وهو إحدى أقوى الأوراق في الساحة الشيعية.
ويرى مراقبون أن الثقل الذي يمثله كل من السيستاني والصدر والدعم الأميركي، فضلا عن التأييد المتوقع من قبل معظم القوى السياسية السنية والكردية لأي قرار حكومي يحجم دور الحشد الشعبي، قد تشكل أدوات قوية في يد رئيس الوزراء العراقي لتوضيح مسار علاقته الملتبسة بإيران، عبر إجراءات صريحة ضد أذرع نفوذها المسلح في العراق.
وتترقب الأوساط السياسية العراقية أمرا ديوانيا جديدا من عبدالمهدي، الذي نص صراحة على ذلك خلال التوجيهات الأخيرة.
وفي حال تضمن الأمر الجديد قرارات تفصيلية تمس كيان قوى مؤثرة في الحشد الشعبي، عبر التوجيه بنقل مقراتها أو استبدال قياداتها، أو دمجها في أجهزة أمنية قائمة تخضع لقيادة رسمية، فقد تندلع مواجهة صريحة في العراق بين الحكومة وحلفاء إيران، ربما تنفتح نتائجها على جميع الاحتمالات.
ويقلل المراقبون من مخاطر الصدام بين الحشد وعبدالمهدي، معتقدين أن رئيس الوزراء العراقي يناور لإظهار قوته أمام واشنطن، لكنه يعرف أن أي مواجهة مع طهران وحلفائها لن تكون لفائدته، ولذلك فإن ما يجري أقرب إلى المناورة المشتركة بينه وبين طهران لامتصاص الغضب الأميركي على الميليشيات وإبعاد فرضية الحرب.
وسواء أكان عبدالمهدي مدعوما من قبل السيستاني أم لم يكن كذلك فإنه لن يستطيع ضبط حركة ميليشيا الحشد الشعبي في ما يتعلق بالنزاع الأميركي-الإيراني إلا إذا تم التنسيق مع فصائله الكبرى.
واستبعد مراقب سياسي عراقي أن تلجأ الحكومة العراقية إلى اتخاذ قرار صادم، يمكن أن يحرجها من جهة الكشف عن ضعف حيلتها إذا ما نشب صراع مسلح تكون الغلبة فيه للحشد الشعبي الذي تفضل إيران أن يبقى ممسكا بزمام الأمور في العراق من غير أن يدخل في مواجهة مسلحة، تكون بمثابة الواقعة التي ستجرها إلى الحرب.
ويقول المراقب في تصريح لـ”العرب” إن ما يمكن أن يتخذه عبدالمهدي يظل في إطار القرارات الشكلية التي يُراد من خلالها استرضاء دول عديدة، صار بعض زعماء الحشد يلوّحون باستهدافها وضرب مصالحها حتى قبل أن تصل الأمور إلى حافة الهاوية.
ويضيف المراقب أنه قد ينتج عن تلك القرارات الشكلية نوع من التهدئة المؤقتة التي ستكون بمثابة هبة من إيران إلى حكومة عبدالمهدي من أجل أن تخفف الولايات المتحدة من ضغوطها عليها ومن أجل ألا تبدو العلاقة بين الحكومة والحشد الشعبي كما لو أنها وصلت إلى مرحلة القطيعة.
وتوقع أن يتم الإعلان عن ضبط حركة عدد من الفصائل المسلحة “الفالتة” وهي فصائل هامشية لا تشكل جزءا من القوة الأساسية للحشد الشعبي، وفي ذلك الإجراء ما ينفع الطرفين، الحكومة التي ستبدو كما لو أنها تملك نفوذا والحشد الشعبي الذي سيتخلص من عبء تلك الفصائل.