لبنان بلد التوافقات والتسويات، ولا يمكن أي حل ان يجد طريقه الى التنفيذ ما لم تُهيّأ له الظروف السياسية المصاحبة. اذا كان الوضع يُختصر بهذه الكلمات القليلة فمعناه ان الدولة غير سيدة ولا يمكنها تالياً فرض أي حل على أي فريق. ومعناه ايضا ان الدولة ستسقط مجدداً في الامتحان. ولا يمكن اعتبار اجتماع المجلس الاعلى للدفاع إلا نوعاً من حفظ ماء الوجه، او انقاذ ما تبقّى من هيبة الدولة امام الرأي العام العالمي، اذ ان تلك الهيبة سقطت منذ زمن بعيد في الداخل. فالزعماء ورؤساء الاحزاب والطوائف لا يحسبون للدولة حساباً إلا كبقرة حلوب يستفيدون من خيراتها ويتقاسمون أرزاقها مع مَن يعيّنونهم في مواقع سلطوية في اطار التقاسم والمحاصصة. هؤلاء انفسهم، اي القادة، ينقلبون على الدولة متى تعطلت مصالحهم، او تم المسّ بما يعتبرونه حقوقاً مكتسبة لهم ولابنائهم من بعدهم.
لا دولة في العالم لا تنتخب رئيساً في مدة عامين واكثر، ولا دولة في العالم يتأخر فيها تأليف الحكومة 11 شهراً، ولا دولة في العالم يمدد مجلس النواب لنفسه مرارا وتكرارا ضاربا بعرض الحائط الوكالة المعطاة له والمحددة بأربع سنوات من دون وجود ظروف قاهرة، ولا دولة في العالم تقر قانون انتخابات قبل شهر من الاستحقاق فلا يكاد الناس يفهمونه للتقيد به، ثم تعيد اختراع مشروع جديد قبل كل استحقاق مماثل. ولا دولة في العالم تبقى بلا موازنة مدة عشر او اثنتي عشرة سنة، ثم تقر موازنة بلا قطع حساب للاعوام الفائتة. ولا دولة في العالم تبقى ملفاتها القضائية عالقة في المجلس العدلي اكثر من ربع قرن ولا تتقدم قيد انملة. ولا دولة في العالم اكثر مواقعها مشغولة بالتكليف والانابة، وإن تم التعيين فيها فانه يأتي مخالفا للقانون، ولا دولة فيها لا مناقصات بل اتفاقات رضائية تتجاوز أدوار مؤسسات الرقابة والتفتيش.
والدولة التي لا يمكنها فتح الطرق بواسطة قواها الامنية، ولو لمرة واحدة، ساقطة حتماً. واقفال الطرق وحرق الاطارات وحجز الناس في سياراتهم ظاهرة تتكرر، وكلنا نذكر عندما كان يعمد زعران الى قطع طريق المطار باستمرار. والدولة التي لم تتمكن من زمن بعيد من فرض هيبتها على المتقاتلين باستمرار في شوارع بعلبك حيث تنشب معارك محلية، ساقطة حتماً. والدولة التي يتداخل فيها عمل الامن بالقضاء من دون ضابط او حكم، كما في فصول اخيرة، ساقطة حتماً. والدولة التي لم تتمكن من توفير الطاقة الكهربائية منذ 28 عاما، وتنبئنا بفخر بتقنين لتوفير الفيول وعدم مراكمة العجز المالي، فاشلة حتماً. ودولة تسرق الاموال المخصصة لتنظيف مجرى الليطاني، من دون بلوغ النتيجة المتوخاة، بل يزداد التلوث حدة، ليست دولة تخطيط وتنفيذ. ودولة يموت ابناؤها من ارتفاع نسبة التلوث في الهواء والماء، ومن السموم المنبعثة من النفايات المتراكمة، لا هي دولة مسؤولة، ولا تملك مقومات الدولة اساساً. وبعد… هل يأمل اللبنانيون في معالجة جذرية لما حصل في قبرشمون الاحد؟ معالجة هذه الدولة ستفاقم الازمة وستبقي الجمر تحت الرماد.