لسنا في وضع، تبرئة أحد أو الدفاع عن أحد في الأحداث الأليمة التي وقعت يوم الأحد الماضي في الجبل، وما تلاه من أعمال استفزازية تدفع في اتجاه الفتنة الطائفية، كما اننا لسنا في وضع التقليل من خطورة ما حصل في ذلك اليوم المشؤوم، بل نحن من الداعين ومطالبين العقلاء من رسميين وسياسيين الى لملمة الوضع المشحون والمتوتر بأسرع ما يُمكن لتفويت الفرصة على الجهات والقوى الداخلية والخارجية التي تؤجج الجو العام وتدفعه نحو الانفجار، وتلك مسؤولية تقع بالدرجة الأولى على الدولة اللبنانية التي يتوجّب عليها ان تتحرك بسرعة لإطفاء النار التي أطلقت احداث وبالاحرى اشكال قبرشمون شرارتها الأولى في أسرع وقت، وذلك لا يكون بإلقاء مسؤولية ما حصل على هذه الجهة أو تلك لأن من شأن مثل هذا التسرع ان يزيد من التوتر الذي سبق واعقب الحادث المؤسف ومن الخشية من انفلات الأرض من العقال السياسي على ما انذرت به مجريات الساعات الأخيرة، في منطقة الجبل ذات الخصوصية البالغة الحساسية، بل بإتخاذ أشدّ الإجراءات الأمنية من جهة ووقف الخطاب الاستفزازي العالي السقف والذي يدل على الاستقواء بالسلطة والذهاب من خلال ذلك إلى تفجير الوضع في الجبل.
اللافت في ما جرى ويجري انه كان نتيجة ذلك الخطاب الاستفزازي العالي السقف الذي استخدمه أحد الفرقاء، منذ فترة حتى بلغ ذروته نهاية الأسبوع الماضي، وحصل ما حصل من إشكالات، نترك للقضاء ان يكشف المسؤول عنها، والبادئ في إشعال نار الفتنة، وعلى وضع هذا المشهد المخيف انعقد مجلس الدفاع الأعلى في خطوة ضرورية، لاتخاذ الخطوات اللازمة لوأد الفتنة المستعرة وإعادة الوضع في الجبل إلى حالته الطبيعية، وبمعزل عن الإجراءات التي اتخذها في هذا الاجتماع ظهر إلى العلن التباين بين خطاب رئيس الدولة وخطاب رئيس الحكومة، فأخذ الأوّل منحى قانونياً بحت، بدعوة الأجهزة القضائية والأمنية إلى استكمال الإجراءات اللازمة والضرورية وفقاً للأصول والأنظمة المرعية الاجراء والقيام بالتوقيفات اللازمة. في حين دعا الثاني إلى التهدئة وضرورة اعتماد المعالجة السياسية اللازمة وعدم إقحام الأجهزة العسكرية والأمنية في الخلافات السياسية، وهو ما فعله أيضاً رئيس مجلس النواب بدعوة إلى الاحتكام للعقل والحكمة وبذل كل مستطاع من أجل الحفاظ على الوحدة والاستقرار العام مع ضرورة ان يأخذ القضاء دوره في التحقيق حتى النهاية، وهذا التباين في المواقف وفي الطرق التي تؤدي إلى وأد الفتنة في الجبل، ليس علامة خير بقدر ما تدل بالفعل إلى وجود مثل هذا التباين الذي ما لم يعالج بسرعة يخشى ان يدفع بالوضع إلى مزيد من التوتر والانقلاب كون العناصر المطلوب لإشعال الفتنة متوافرة وتتراكم وتتجمع منذ فترة، وتمهد لوصول البلاد إلى المشهد السوريالي الذي ارتسم مساء في عاليه وتوسع إلى معظم مدن وقرى وبلدات الجبل منذ حوادث7 أيّار 2008 وصولاً الى حوادث الجاهلية في كانون الثاني الماضي، وما اعقب ذلك من ارتفاع منسوب الخطاب الطائفي التحريضي من دون أي رادع أو اعتبار لخصوصية الجبل وللتوازنات السياسية فيه. والمطلوب اليوم امام ما آلت إليه الأوضاع في الجبل توحيد الارادة السياسية حول كيفية تجنّب وقوع الفتنة في الجبل بالتعقل والحكمة على ما اقترحه رئيس مجلس النواب وبالمعالجة السياسية على حدّ ما نادى به رئيس الحكومة خلال اجتماع المجلس العسكري الطارئ بناء لدعوة من رئيسه رئيس الجمهورية.