لا تحول ردود فعل بعض المسؤولين على تقارير وكالات التصنيف الدولية دون زيادة منسوب القلق مما يتجه اليه الوضع المالي في البلد على رغم التطمينات العلنية التي تنقضها مواقف تدحضها بين وقت واخر. وتسجل مصادر سياسية على الاقل تطورين اعطيا في الاشهر الاخيرة مؤشرات سلبية عن مدى وعي البعض في موقع المسؤولية لمآل الوضع المالي والاقتصادي في البلد وما اذا كان هناك اجندة ترمي او تدفع بالبلد الى واقع ما يخشى ان يكون هناك اعتقاد انه في امكان السيطرة عليه في حين ان اي انفلات او انهيار مالي قد يكون صعبا تخيل تردداته على كل الصعد والمستويات.
ابرز هذين التطورين كان استنزاف الوقت في تأليف الحكومة التي استغرقت تسعة اشهر من اجل تسجيل مكاسب سياسية للحصص الوزارية في الحكومة وهو ما هدد مكتسبات مؤتمر “سيدر” حيث اهدر الكثير من الوقت للاستفادة منه.
والتطور الاخر هو تسعير الخلاف السياسي على خلفية استعادة حقوق طائفية هددت باعادة العلاقات بين المكونات اللبنانية الى الوراء بدليل خروج رئيس الحكومة سعد الحريري عن صمته وصبره ازاء الممارسات الحاصلة في مؤتمر صحافي اراد منه وضع النقاط على الحروف في العلاقات السياسية. وحصل ذلك بعد مراوحة واستنزاف في اعداد مشروع الموازنة دق فيه رئيس الحكومة جرس الانذار من اجل الذهاب الى اجراءات تقشفية حقيقية لانقاذ الوضع وهو ما لم يحصل.
وهناك من يعتبر او لا يقول علنا من موقع مسؤوليته بان الوضع على شفير الانهيار او في خطر شديد لكن هناك من يقر بان الامور كانت تتجه الى الهاوية منذ اشهر فما بالك والوضع الراهن وهناك قلق متعاظم تعبر عنه اجراءات كثيرة يستشعرها اللبنانيون وتثير مخاوفهم ايا تكن الاتهامات التي ترمى عن تراكمات قديمة او سابقة او اداء حديث ليس على مستوى المسؤولية.
وما تخشاه هذه المصادر ان تتم الاستهانة بالتحذيرات الداخلية والخارجية عبر وكالات التصنيف الدولية قولا وفعلا علما ان المطلوب القيام به يجب ان يكون نتيجة وعي للمخاطر الكبيرة التي بات عليه الوضع المالي وليس فقط الوضع الاقتصادي كما كان يتردد قبل بضعة اشهر وليس لان التزامات مؤتمر “سيدر” تحتم ذلك او ايضا ما تراه وكالات التصنيف المالية الدولية.
وحتى الان تبدو التقارير اقل وطأة من التصنيفات المنتظرة ابتداء من شهر آب المقبل حيث يمكن ان يؤثر ذلك اكثر على الثقة والاستثمارات في البلد، ما لم تكن هناك اجراءات ايجابية صادمة ومفاجئة كأن تأتي ودائع عربية الى المصرف المركزي او تتخطى نسبة السياح كل المتوقع حتى الان.
واذا كان لبنان لم يستفد من الفرصة التي اتاحها وقوف المجتمع الدولي معه او الى جانبه في هذا الموضوع بوضع رؤية ينفذها بجدية في النصف الاول من عهد الرئيس ميشال عون، يخشى انه يصعب كيف يمكن ان تعالج الامور برد فعل وليس برؤية بعيدة المدى او حتى بادارة للازمة وتنظيمها على وقع تخفيف الاضرار باقل تقدير.
تشهد على ذلك خطة الكهرباء التي وان كانت اقرت فانها لم تشكل ردا مناسبا على ما هو مطلوب من لبنان وكذلك بالنسبة الى الموازنة ”الاصلاحية” التي لم تتسم بذلك. يضاف الى ذلك ان المعارك السياسية قائمة في شكل او في اخر في ظل خشية واقعية من انه مع اقتراب نهاية السنة الثالثة من ولاية الرئيس عون فان الحملات الرئاسية باتت امرا واقعا اكثر بكثير مما كانت عليه قبل عام او اثنين في ظل اعتبار سياسيين ان المهلة المتبقية باتت مبررة للذهاب الى هذه الحملات خصوصا ان صهر رئيس الجمهورية بالذات يخوضها منذ زمن بعيد. وترجمة ذلك ستعني ان المرحلة المقبلة لن تخلو من مناوشات سياسية علنية تقضي بالرد على كل موقف او استفزاز ما دامت المعركة قد فتحت فعلا وهناك مرشحون طامحون يرون ان الساحة السياسية لم يعد يجوز ان يحتكرها تحرك لطرف معين مستفيدا من الظروف السياسية القائمة خصوصا ان ما مر من ولاية الرئيس عون حتى الان اوضح على نحو غير قابل للبس ان العناوين الاصلاحية وبناء المؤسسات لم تكن قابلة للترجمة ولن تكون في ظل اداء سياسي لم يتغير.
وهناك جانب اخر يتصل بان المعارك السياسية قائمة مع اطراف سياسية عدة بحيث ان الرد الذي اعتمده الرئيس الحريري اخيرا كان بمثابة النقطة التي طفحت الكاس علما انه تلقى سهاماً سياسية من حلفاء نتيجة اعتبارهم انه لا يتصدى وفق ما يجب لمحاولات تجاوزه سياسيا ومساعي النيل من حلفائه.
ويعتقد سياسيون واقتصاديون انه كما استفاد رئيس الحكومة من ردود فعل متصاعدة على اداء سياسي متجاوز من اجل صياغة رده السياسي، وكما جرى الاتفاق على موقف”موحد” ابلغ الى الولايات المتحدة حول الحدود مع اسرائيل ما اتاح وساطة اميركية لمحاولة ترسيم الحدود البرية والبحرية وكذلك بالنسبة الى الموقف من التوطين، فان الوضع المالي الذي لا يبدو انه يقل خطورة عن هذه الملفات يحتاج الى شيء من هذا القبيل اي اكثر من مجرد انهاء مشروع موازنة ”يبشر” به البعض فيما انه من ابسط واجبات الحكومة ومن ابسط المهمات المطلوبة من مجلس النواب وادنى واجبات هؤلاء في الوقت الذي تعتبر وكالات التصنيف الموازنة غير كافية. وكان الامر ليكون مستحيلا او غير محتمل في ظل مشاريع سياسية متضاربة للبلد باجندات مختلفة، وهو امر واقع ويجري على نحو غير مباشر في رأي سياسيين كثر وان كانت تخفيه تسوية سياسية جمعت بين الاضداد راهناً.