توقعت مصادر وزارية لبنانية أن يحمل هذا الأسبوع بوادر انفراجة تدفع باتجاه انتهاء لجنة المال والموازنة النيابية من مناقشة مشروع الموازنة للنصف الثاني من العام الحالي، وإحالته إلى الهيئة العامة في البرلمان لإقراره. وقالت إنه لم يعد من الجائز هدر الوقت وإضاعة الفرص التي تعيق وضع البلد على السكة الصحيحة للإفادة من مؤتمر «سيدر» الذي خصّص لمساعدته للنهوض من أزماته الاقتصادية والاجتماعية.
وأكدت المصادر الوزارية لـ«الشرق الأوسط» أنه لا مصلحة للبلد في أن يقدّم نفسه للمجتمع الدولي بأنه ليس مؤهلاً حتى الساعة للإفادة من مقررات «سيدر»، وتحديداً الشق المتعلق بالإنفاق الاستثماري الذي يؤدي حكماً إلى خلق فرص عمل جديدة من شأنها أن تخفض من نسبة البطالة.
ولفتت إلى أن «تعاطي البعض بخفة مع مشروع الموازنة لا يخدم التحضيرات التي تقوم بها الحكومة استجابة لما تعهدت به أمام مؤتمر سيدر». وقالت إنه «لا مبرر لكل هذا التأخير في إحالة المشروع إلى الهيئة العامة في البرلمان لإقراره». وأشارت إلى أنها مع مبدأ الفصل بين السلطات، «لكنه لا يعني أبداً أن موقف هذا التكتل النيابي أو هذه الكتلة النيابية في داخل مجلس الوزراء هو غيره لدى مناقشة الموازنة من قبل لجنة المال والموازنة النيابية». وسألت عن الأسباب الكامنة وراء تمديد جلسات اللجنة رغم أنها تعقد يومياً أكثر من جلسة.
وكشفت المصادر أن تبدّل مواقف بعض الكتل النيابية و«انقلابها» على ما تعهدت به في مجلس الوزراء، كان من المواضيع التي أثارها رئيس الحكومة سعد الحريري مع رئيس الجمهورية ميشال عون. وقالت إن «هذا التبدّل ينسحب على تكتل لبنان القوي برئاسة وزير الخارجية جبران باسيل الذي وافق في داخل الحكومة على 3 في المائة ضريبة دخل على معاشات الموظفين المتقاعدين؛ مدنيين أو عسكريين، لكنه تراجع عن موافقته فور طرح هذا البند في اجتماع لجنة المال».
واعتبرت أن إعادة النظر في تدبير رقم - 3 الخاص بالعسكريين طُرحت في مجلس الوزراء، لكن تعديله ينتظر المفاوضات الجارية خارج جلسات لجنة المال. وقالت إن رئيس الجمهورية أخذ على عاتقه التدخّل لدى «تكتل لبنان القوي» والطلب منه الالتزام بما تعهد به في مجلس الوزراء.
وحذّرت المصادر نفسها من أي تمديد لجلسات لجنة المال، وقالت إن «التلكؤ في إقرار الموازنة سينعكس سلباً على سمعة الدولة اللبنانية ومصداقيتها أمام المجتمع الدولي». ودعت إلى «الترفّع عن تصفية الحسابات أو تسجيل المواقف التي تتسم بالمزايدات الشعبوية أو توزيع الأدوار».
وقالت إن الإسراع بإقرار الموازنة على قاعدة خفض العجز فيها إلى أقل من 8 في المائة «يعتبر أحد أهم الإنجازات التي تتيح للبنان توجيه رسائل مهمة إلى المجتمع الدولي من خلال وكالات التصنيف الائتماني للوضعين الاقتصادي والمالي، بأن لديه القدرة على السير قدماً في الاتجاه الذي يمنع الانهيار وصولاً إلى استعادة عافيته الاقتصادية ولو على مراحل».
ونوّهت بأن «أمام لبنان فرصة ليقول لمن يبادر إلى مساعدته لتجاوز أزماته بأن لديه كل استعداد للإفادة من هذه المساعدات وتوظيفها في الاتجاه الذي يعزز استقراره النقدي والاقتصادي. ناهيك بأن الحريري الذي هو الآن ومن وجهة نظر المجتمع الدولي مصدر ثقة وداعم لتعزيز الاستقرار لن يغض النظر عن أي تلكؤ لا يخدم الإفادة من سيدر».
لذلك، يقوم الحريري بتشغيل محركاته في أكثر من اتجاه، ليس للدخول في اشتباك مع إحدى الوكالات الدولية للتصنيف الائتماني، وإنما للرد عليها بخطوات عملية، وتحديداً على «موديز» التي أعطت إشارات سلبية تتعلق بالوضعين الاقتصادي والمالي، وإن كانت استندت على تحليلات خاصة بها لفتت إلى التناقض الذي أقحمت بعض الكتل النيابية نفسها فيه، والذي برز من خلال تأييدها الشيء ونقيضه لعدد من البنود الواردة في مشروع الموازنة.
فسقوط بعض الكتل النيابية في تناقض بين تأييدها لهذا التدبير في مجلس الوزراء ومبادرتها إلى الانقلاب عليه في لجنة المال أحدث حالة من الإرباك دفعت بوكالة التصنيف هذه إلى التعبير عن قلقها من عدم قدرة الحكومة على التزامها بنسبة العجز التي كانت تعهدت بها أمام «سيدر».
وفي المقابل، فإن الموقف الذي عبّر عنه نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فريد بلحاج بعد اجتماعه برئيس الحكومة عكس توجُّهاً إيجابياً، خصوصاً لجهة تأكيده أن لبنان يسير في طريق سليمة بالنسبة إلى الإصلاحات على مستوى الموازنة والكهرباء، مشدداً على المضي قدماً فيها.
لكن بلحاج أحاط تفاؤله بحذرٍ مشروع رغبة منه في حث الحكومة على الإسراع في تحقيق الإصلاحات المالية والإدارية ووقف الهدر ومكافحة الفساد، إضافة إلى أنه دعا للإفادة من مشاريع موجودة في محفظة البنك وضرورة العمل عليها بقوة، لأن بداخل هذه المحفظة أكثر من ملياري و400 مليون دولار، ومنها قرابة المليار في وضع غير إيجابي ومخصصة لتأهيل شبكات الطرق في لبنان.
وعليه فإن الأسبوع المقبل، بحسب المصادر الوزارية، يُفترض أن يشكّل نقلة نوعية تستدعي إحالة الموازنة على الهيئة العامة وإقرارها قبل نهاية يوليو (تموز) ليكون في مقدور لبنان الإفادة من المفاعيل الاقتصادية والمالية لمؤتمر «سيدر» من جهة، ومن جهة أخرى الرد بخطوات عملية على بعض وكالات التصنيف الدولية ومنها «موديز»، إنما على قاعدة الالتزام بخفض نسبة العجز إلى ما دون 8 في المائة.