أمضى اللبنانيون ليلتهم وهم يحبسون الأنفاس بعدما أعادت أحداث الجبل إلى ذاكرتهم القلق على السلم الأهلي، بعدما تمت استعادة خطاب الحرب الأهلية.
فللمرة الأولى يتم التعامل مع حادثة إطلاق نار بصفتها ذات مضمون سياسي وليست مجرد حادث يكفي لمعالجة ذيوله السير في تحقيق قضائي جدّي، فقد أدّت زيارة الوزير جبران باسيل إلى عاليه إلى مقتل اثنين من مرافقي وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب وإصابة ثالث منهم، فيما أصيب رابع ينتمي إلى الحزب التقدمي الاشتراكي، وذلك لدى مرور موكب الغريب بين بلدتي قبرشمون والبساتين".
وعلى خلفية هذه الاشتباكات التي وقعت في بلدتي قبرشمون والبساتين صدر العديد من المواقف وردود الفعل، إذ أجرى رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، أمس الأحد سلسلة اتصالات شملت الوزير باسيل والمسؤولين في قيادة الحزب التقدمي الإشتراكي والحزب الديموقراطي، والمدير العام لقوى لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان ومدير المخابرات في الجيش تركزت على ضرورة تطويق الاشكال وبذل أقصى الجهود الممكنة لتهدئة الأوضاع لإعادة الأمور إلى طبيعتها.
وأكدت وزيرة الداخلية والبلديات ريّا الحسن في تغريدة لها أن "الأمن في لبنان خط أحمر"، مشيرةً إلى أن "القوى الأمنية بدأت تحقيقاتها لمعرفة ملابسات ما حصل"، ودعت إلى "العمل جميعًا لتغليب منطق العقل وتهدئة النفوس"، مؤكدةً أن "حرية التعبير والتظاهر والتنقل في كل لبنان مصانة بحكم الدستور".
والدعوة نفسها، صدرت عن "لقاء الجمهورية" الذي دعا في بيان إلى "ضرورة التزام الجميع ضبط النفس وعدم الانجرار إلى الفتنة التي تشغلها بعض الخطابات الموترة"، مشددًا على "أهمية الاحتكام إلى العقل والاستماع إلى الأصوات المنادية بالعودة إلى منطق القانون"، محذرًا في الوقت عينه من "سقوط الهيكل على رؤوس الجميع".
كما قال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زواره أمس، ردًا على سؤال حول ما حصل في الجبل: "هذا أمر ما كان يجب أن يحصل، بل يجب أن يُعالَج هذا الأمر فورًا".
وغرّد جنبلاط مساء أمس، قائلًا: "لن أدخل في أي سجال إعلامي حول ما جرى، أُطالب بالتحقيق حول ما جرى بعيدًا عن الأبواق الإعلامية"، وأضاف: "اتمنى على حديثي النعمة في السياسة أن يدركوا الموازين الدقيقة التي تحكم هذا الجبل المنفتح على كل التيارات السياسية دون استثناء، لكن الذي يرفض لغة نبش الأحقاد وتصفية الحسابات والتحجيم".
من جهته، قال الغريب، إنّ ما حدث في قبرشمون "كان مكمنًا مسلحًا ومحاولة اغتيال واضحة، وإطلاق النار على الموكب كان موجّهًا إلى الرؤوس"، منبّهًا إلى أنّ "شدّ العصب يوقع بالمحظور"، وأكّد "حرصنا على السلم الأهلي ووحدة الدروز وتكاتفهم"، داعيًا إلى "ضبط النفس بعد الدماء التي سقطت"، وقال: "نحن نعتبر أنفسنا بي الصبي"، وختم: "نحن لا نتفنن باستعمال الدم في السياسة".
كما غرد رئيس "تيّار المردة" الوزير السابق سليمان فرنجية عبر "تويتر" قائلًا: "فتنة متجولة تحاول بناء وجودها على الخلافات في جميع المناطق وتغذية مشروعها بالحقد والانقسامات"، وقال: "نتمنى على المسؤولين والعقلاء في الجبل التحلي بالوعي والحكمة وعدم تغذية هذا المشروع التدميري بحق الوطن".
وأكّد وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمود قماطي في تصريح له بعد لقائه رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان في خلدة، أنّ "ما حصل في قبرشمون كبير وخطير جدًا، وما يهمنا هو الاستقرار، وإن العودة إلى الأعمال الميليشيوية تشكّل خرقًا للتوافق اللبناني، بحيث كدنا نفقد وزيرًا من وزرائنا"، داعيًا إلى "البدء بالتحقيقات لتوقيف الجناة فورًا، لأنّ ما حصل غير مقبول ومدان".
وقال المفوض الإعلامي في "الحزب التقدمي الاشتراكي" رامي الريس نقلًا عن صحيفة "الجمهورية": "أنّ الخطاب الاستفزازي هو الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم، فيما حرص رئيس الحزب وليد جنبلاط في الفترة الماضية على رأب الصدع وتهدئة الاجواء، وحاول منع وصول الأمور إلى الفتنة"، وأضاف: "أن ليس هناك من صدام للحزب الإشتراكي مع الجيش اللبناني، ودعمنا معروف للمؤسسة العسكرية ودورها، وإننا نجري كافة الاتصالات اللازمة لتهدئة الأجواء".
وبدوره، قال الوزير السابق مروان حمادة أن "وزير الخارجية يتنقل من منطقة إلى أخرى عوض ان يقوم بدوره كوزير خارجية، وينقل معه الفتنة من بشري إلى عكار وعاليه وزغرتا والكحالة، إلى أن فلتت الامور في آخر المطاف"، وأضاف: "ركب باسيل عَ ضهرنا وعَ ضهر لبنان وخلّيه يحلّ عن ضهرنا وأنا أحمّله المسؤولية الكاملة لسقوط كل نقطة دم هدرت في أرض الجبل ونشكر الله ان بعلبك وبشري وزغرتا زمطت من سقوط الدماء والضحايا"، وذلك بحسب صحيفة "الجمهورية".
وفي ردود الفعل أيضًا نصحت السفارة الفرنسية في بيروت رعاياها، عبر رسائل نصية هاتفية، من جرّاء أحداث العنف التي حصلت في منطقة الجبل، بتوخي الحيطة والحذر، وعدم الإقتراب من هذه المنطقة إلى حين عودة الهدوء إليها.