في واقع هذه المرحلة المفصلية وبعد النقاشات لفترة طويلة بالموازنة والدخول بأدق التفاصيل ومع عدم تلبية التخفيضات المطلوبة من الدول المانحة لـ سيدر، صدر تقريران لوكالتي فيتش وموديز.
لقد وضع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إصبعه على الجرح عندما شبّه، الوضع في لبنان بوضع سفينة تايتانيك التي كانت تغرق ببطء، بينما ركّابها يرقصون في صالوناتها غير مدركين الخطر الزاحف عليها، إلى أن وقعت الكارثة. لكن فخامته لم يشر الى تفاصيل النهاية الكارثية التي حلت بركاب السفينة في الطوابق السفلية منها، فيما نجح عدد كبير من ركاب الدرجة الاولى في إنقاذ أنفسهم.
ولن تكون حال لبنان أفضل إذا غرق، خصوصاً مع استمرار سياسة الاقصاء ومع إطلاق التصريحات والمواقف التي تنبش جراحات الماضي، وحادثة الجبل وما نتج عنها من سقوط ضحايا نموذجاً.
لم تأت تحذيرات رئيس الجمهورية من فراغ، وهو الذي يطّلع دوريا على تطور الوضع السياسي والامني والمالي والاقتصادي، ويترأس غالبية جلسات مجلس الوزراء، ويتابع المناقشات داخله وخارجه وبين مختلف القيادات السياسية.
إقرأ أيضًا: هل يكون لبنان على الحياد في الصراع الأميركي الإيراني؟
من هنا، يبدو السؤال ملحاً انطلاقا من إدراك رئيس الجمهورية خطورة ما آلت اليه الأوضاع، سواء خلال الأعوام الثلاثة من عهده، او بنتيجة تراكمات سابقة: هل المعالجات الجارية هي على مستوى المخاطر المطروحة، فيما الضغوط الخارجية تتعاظم من خلال تقارير خطيرة تصدر عن وكالات التصنيف الدولية، وآخرها تقرير موديز وقبله فيتش، اللذان أجمعا على أن إجراءات الموازنة لم تعد كافية للمعالجة؟
لا تخفي مراجع سياسية قلقها البالغ مما آلت اليه أوضاع البلاد في ظل الانشغال الرسمي عن المعالجة، فيما ينوء لبنان تحت ثقل أعباء مالية واقتصادية لا أفق واضحا لها بفعل المواجهة المحتدمة إقليميا، والتي تنذر بدخول المنطقة مرحلة طويلة من الاستنزاف، لن يكون لبنان في منأى عنها ما دام هناك فريق سياسي داخلي واسع يدعم أحد محوري الصراع، وهو إيران، ولن يكون في منأى عن العواقب التي ستتحملها طهران بنتيجة تشديد العقوبات الاميركية عليها من أجل تضييق الخناق الاقتصادي، الذي سيطال ذراعها اللبنانية المتمثلة بـ حزب الله.
وتلتقي المراجع مع خلاصات وكالات التصنيف بالقول ان الاكتفاء بإنجاز مشروع موازنة السنة الحالية لم يعد كافيا، بل ثمة حاجة الى إجراءات قادرة على إحداث صدمة إيجابية تقلب دينامية الوضع من مساره الانحداري الى مسار التعافي، حتى لو استغرق الامر وقتا، وهو أمر واقع، ولكن المشكلة في رأي هذه المراجع ان المزاج الداخلي لا يزال سلبيا ويسود الغموض الأفق الاقتصادي والمالي، رغم التطمينات الصادرة عن وزير المال الذي يؤكد أن الوضع تحت السيطرة.
إقرأ أيضًا: بين الحريري وباسيل… الأمور ليست على ما يرام!
فبين تايتانيك عون وتطمينات خليل، هل يغرق لبنان بتقرير موديز؟
وتسأل المراجع كيف يكون الوضع تحت السيطرة والنمو في البلاد صفر، إن لم يكن سلبيا، والدولة لم تكن قادرة على دفع رواتب موظفيها لولا الهندسات المالية الاخيرة للمصرف المركزي مع المصارف التي أمّنت الأموال المطلوبة عبر اكتتابات في سندات الخزينة؟ وكيف يكون تحت السيطرة وميزان المدفوعات يشهد عجزا بلغ في الأشهر الأربعة الاولى من السنة 4 مليارات ما بلغه على مدى الأشهر الـ 12 من العام الماضي 4.8 مليارات دولار؟
وأكثر ما يستفز هذه المراجع هو غياب الشفافية والإفصاح عن الأرقام المالية. فوزارة المال لم تفرج عن نتائج المالية العامة للعام 2018 إلا منذ ايام قليلة، فيما مضت 6 أشهر والبلاد على أبواب الشهر السابع من السنة وليس في متناول الرأي العام أي رقم عن نتائج المالية العامة طيلة هذه الفترة. وعلى قاعدة ان العدالة المتأخرة ليست عدالة، فإن الأرقام المتأخرة ليست ذات فائدة إلا للتاريخ!
وتستغرب هذه المراجع الاستخفاف بتقارير مؤسسات التصنيف الدولية، لافتة الى أن مثل هذا الاستهتار ليس في محله، بل على العكس هو مضرّ لأنه قد ينعكس سلبا على لبنان. وتستعيد مشهد الأزمة المالية العالمية عام 2008 عندما حُمّلت مؤسسات التصنيف مسؤولية عدم التحذير من الأزمة، لتقول إنه منذ ذلك التاريخ، باتت هذه المؤسسات أكثر حذرا في قراراتها وتصنيفها. وذكرت ان على لبنان التصرف بسرعة قبل صدور تصنيف ستاندرد انه بورز، لئلا يأتي سلبيا فيضع لبنان في مصاف الدول الفاشلة.