توجه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي خلال عظة ألقاها بعد ترؤسه قداسا احتفاليا بمناسبة تدشين كنيسة مار اسطفان في بلدة غرفين قضاء جبيل إلتى رئيس الجمهورية ميشال عون قائلا "نود مع راعي ابرشية جبيل الطران ميشال عون ان نضيف شكرنا وشكر هذه الرعية والابرشية على حضوره معنا من خلالكم ونطلب ان تنقل اليه محبتنا وصلاتنا بشفاعة الطوباوي الاخ اسطفان الذي يكرم في هذه الكنيسة الجديدة لكي يعضضه الله في قيادة سفينة وطننا العزيز وسط الصعوبات المعروفة، وان يشدد ايمانه لكي يثبت شعبنا اللبناني في الايمان بالوطن والذات".
وأكد أنه "يسعدنا أن نحتفل مع سيادة راعي الأبرشية ومعكم بهذه الليتورجيا الإلهية ونحن ندشن كنيسة الطوباوي الأخ اسطفان نعمه، ونكرس مذبحها، ونبارك مجمعها الراعوي. وقد أنجزتم الأعمال بفضل المحسنين والمحسنات، وكنا احتفلنا معا بوضع حجر الأساس للمشروع في 29 آب 2011، بعد أن قدم لنا خرائطه كاهن الرعية عزيزنا الخوري رنيه جعاره ووافقنا عليها، عندما كنت راعيا للأبرشية. ثم بتوجيه من سيادة أخينا المطران ميشال عون، راعي الأبرشية الغيور، إنطلقتم في العمل منذ سنة 2012 متكلين على العناية الإلهية وعناية الطوباوي الأخ أسطفان، مدركين كلمة المزمور: "إن لم يبن الرب البيت باطلا يتعب البناؤون" (مز1:127)، فأنهيتم كل شيء سنة 2018، مع الكنيسة التي بدأتم العمل بها منذ سنة 2014. فنهنئكم على هذا الإنجاز الكبير، وليكافئكم الله، بشفاعة الطوباوي الأخ أسطفان، بفيض من نعمه وخيراته وبركاته".
ولفت إلى أنه "يطيب لي أن أشكر معكم، ونذكر في هذه الذبيحة الإلهية، كل الذين ساهموا بمالهم وذات يدهم ووقتهم وجهودهم وصلاتهم، وكل المحسنين من قريب أو بعيد، لإنجاز المجمع السفلي الذي يضم ثلاث قاعات، وغرف اجتماعات، وقاعة "بيت مريم" المخصص للنشاطات الروحية والكشفية، وكابيلا القديس شربل وبيت القديس وهي كنيسة مفتوحة دائما للصلاة، وقاعة محاضرات قرب ضريح والد القديس، كما أوجه كلمة شكر خاصة للسيدة منى عارف نعمه التي تبرعت ببناء هذه الكنيسة الجديدة على اسم الطوباوي الأخ أسطفان نعمه، وهي تحيي اليوم ذكرى وفاة ابنها الشاب شهيد، واليوبيل الذهبي الخمسيني لمسيرة "أصدقاء القربان". تتضمن الكنيسة رسم الأخت الطوباوية ماريا تيريزا Casini من راهبات عبادة قلب يسوع، وقد تم الاحتفال بتطويبها في 31 تشربن الأول 2015، وهي نسيبة الشيخ ميشال الضاهر، والد السيدة منى".
وأشار البطريرك الراعي إلى أن "الكنيسة هي جماعة المؤمنين، ومشبهة بمبنى حجري. فهي بالحقيقة بناء حجري يحتضن الجماعة المسيحية المصلية والمحتفلة بالأسرار، وتسمى "بيت الله" حيث نلتقيه أفرادا وجماعة، ويقدم لنا الطعام الروحي، أي كلام الحياة، وجسد الرب ودمه، وعطية الروح القدس، لتقديسنا. ولذا، المكان مقدس لأن الله حاضر فيه. ويقتضي منا الخشوع والحشمة في اللباس والاحترام للحضور الإلهي والصمت والاصغاء، هذه الكنيسة الحجرية هي أيضا وبخاصة جماعة المؤمنين وهم حجارة روحية لهيكل الله الذي هو الانسان المؤمن والجماعة. لهذه الجماعة رأس هو المسيح، وروح واحد يحييها ويشد رباط وحدتها وهو الروح القدس، وشريعة واحدة هي المحبة، وغاية واحدة هي نشر ملكوت الله وبناؤه في المجتمع البشري".
وأضاف "هذه الكنيسة تسمى "المسيح الكلي" بالنسبة إلى "المسيح التاريخي"، وقد أصبح متحدا بالجنس البشري كله، بحكم التجسد والفداء، ما يعني أن الكنيسة، وهي بداية ملكوت الله على الأرض، ملكوت القداسة والحقيقة والمحبة، ملكوت العدالة والأخوة والسلام، ملكوت الحرية وقدسية الحياة البشرية وكرامة الإنسان، الذي أعلنه ودشنه الرب يسوع، مدعوة لتبني هذا الملكوت في المجتمع البشري. وعندما نقول كنيسة لا نعني فقط الأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات بل كل مؤمن ومؤمنة. ذلك أننا جميعا أصبحنا أعضاء في الكنيسة، جسد المسيح السري، بحكم المعمودية والميرون، وصرنا شركاء في رسالة المسيح الخلاصية".
وتابع: "من أهم الواجبات المحافظة على الثقافة الوطنية التي تميز لبنان، وهي ثقافة التنوع في الوحدة. ما يقتضي توحيد الرؤية والكلمة في القضايا المصيرية الداخلية والاقليمية. فلا يمكن القبول بالتوطين والتجنيس المقنعين بالمساعدات المالية، وقد سميا "صفقة القرن" التي هي في الحقيقة أيضا وخاصة "صفعة القرن" للقضية الفلسطينية ولرجوع النازحين السوريين إلى وطنهم من أجل إكمال كتابة تاريخهم على أرضهم والمحافظة على ثقافتهم، وتعزيز حضارتهم، كل هذه الأمور المصيرية لا تباع وتشترى بالبخيس من المال، فإذا كانت نية المساعدة المالية سليمة، فلتكن بالنسبة إلى الفلسطينيين مساعدة لإنشاء دولتهم وعودة اللاجئين، وبالنسبة إلى السوريين مساعدة لعودتهم إلى أرضهم ولإعادة بناء بيوتهم وكيانهم ومؤسساتهم. ومعلوم أن ما يؤخذ قسرا يمكن استرجاعه يوما، أما ما يعطى طوعا فنخسره إلى الأبد".
من جهته، توجه راعي أبرشية جبيل المارونية المطران ميشال عون إلى البطريرك الراعي بالقول "في كل زيارة راعوية تقومون بها يا صاحب الغبطة والنيافة الى ابنائكم وبناتكم في مختلف المناطق اللبنانية، تحملون اليهم سلام المسيح الذي يقوي فيهم الرجاء وتزرعون في قلوبهم فرحا يبلسم جراحات الايام الحاضرة ويثبتهم في محبة الله والكنيسة ويزيدهم تمسكا بكنيستهم ووطنهم وارضهم وتأتون اليوم مجددا الى ابرشيتنا التي خدمتموها اسقفا طيلة ثلاث وعشرين سنة، والتي احبتكم واحببتموها، فكنتم لها خير راع، وهي كانت الخراف التي تعرف صوت الراعي وتتبعه لانها كانت تميز ارادة الله وما يطلبه الله منها لتسير في درب الايمان الى ملء القداسة، وفي زيارتكم اليوم الى رعية مار اسطفان الشهيد في غرفين فرحة كبيرة لانكم تباركون ببركتكم الابوية والرسولية هذه الكنيسة الجديدة الرائعة، والاولى في لبنان على اسم الطوباوي الاخ اسطفان نعمة وتكرسون مذبحها لتمتد هذه البركة وتصل الى كل ابناء غرفين وبناتها والى كل عائلة من عائلاتها وكل من يقصد هذه الكنيسة مصليا ومشاركا في احتفالاتها الروحية والرعوية".
وشكر البطريرك الراعي على "محبته الابوية ومواقفه الكنسية والوطنية التي تعكس سهره الابوي، والهم الذي يحمله كي يبقى صوت الحق عاليا والذي يتجلى في العمل الدائم لما يحقق مصلحة لبنان وخيره وطنا وشعبا".