في غضون أيام، ظهرت الى العلن ثلاثية جديدة غير تلك التي يتمسك بها “حزب الله”، أي ثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة”، هي ثلاثية “الجيش والمصارف وحزب الله”. الثلاثية الجديدة لا تحتاج الى نص مكتوب، كما هي حال القديمة التي تعطي سلاح الحزب شرعية لا يعلم إلا المرشد الايراني متى تنتهي، باعتباره مرجع هذا السلاح. أما السبب وراء عدم الحاجة الى نص يثبّت واقع الثلاثية الجديدة، فيعود الى ان التطورات المتلاحقة، والمرشحة لكي تطول، تؤكد وجودها.
عندما ينزل العسكريون المتقاعدون، ومن خلفهم غير متقاعدين، الى الشارع للمطالبة بالابقاء على حقوق لهم يجري التحضير لإلغائها في مشروع الموازنة لهذه السنة، فهذا يفيد بأن المؤسسة العسكرية التي جرى وصفها منذ عقود بـ”الصامت الاكبر”، صارت الآن “الصارخ الاكبر”. وعندئذ يصبح السؤال المطروح: إذا كان الجيش سيتولى إقفال طرق الوطن، فمن سيتولى بعده فتحها؟ قامت ضجة ولم تهدأ بعد صدور التقرير الجديد لوكالة التصنيف الدولية “موديز” الذي كان، كما ورد في “نهار” امس، “مفاجئاً” من حيث تركيزه على اعتبار ان “تباطؤ التدفقات الرأسمالية نحو لبنان وتراجع نمو الودائع المصرفية يعززان احتمال تحرك الحكومة لاتخاذ تدابير تشمل إعادة جدولة الدَّين أو إجراء آخر لإدارة الالتزامات، ما قد يشكل تخلفاً عن السداد على رغم إجراءات الانضباط المالي التي يتضمنها مشروع موازنة 2019”. بالطبع سارع وزير المال علي حسن خليل الى الرد والطمأنة، علماً ان الاخير أشعل ذات يوم حريقاً في الاوساط المالية والمصرفية عندما تحدث عن “إعادة الجدولة أو الهيكلة”، قبل ان يتراجع.
وبينما كان الشارع يغلي باحتجاج العسكريين المتقاعدين، والاسواق تموج بتقرير “موديز”، لم يتأخر “حزب الله”، عبر وزرائه الثلاثة، في توجيه صفعة الى مجلس الوزراء في جلسته الاخيرة، عندما وقف بشدة ضد انضمام لبنان الى اتفاق أوتاوا “لحظر استعمال وتخزين وانتاج ونقل الالغام وتدميرها”، على رغم ورود الطلب ودرسه لدى الجيش اللبناني. فوزراء “حزب الله”، كما قالت “النهار”، اعتبروا أن في الاتفاق “تقييداً لعمل المقاومة في وجه اسرائيل!”.
بالطبع لم تفت “حزب الله” بلسان وزيره محمد فنيش، “الاشادة” بموقف رئيس الحكومة من “مؤتمر البحرين” و”صفقة القرن” ومنع التوطين، وبتضامن مجلس الوزراء في هذا الموقف.
في الثلاثية القديمة، من المفترض ان يكون الجيش منتشرا على الحدود الجنوبية لمواجهة إسرائيل، جنبا الى جنب مع “حزب الله”. ولكن في الثلاثية الجديدة، صار منتشرا في شوارع لبنان متفوقاً على الاتحاد العمالي “طيّب الله ثراه”.
في الثلاثية القديمة، يمثل الشعب خزّان المقاومة. وفي الثلاثية الجديدة، صارت الخزينة خاوية، ولم تتأخر “موديز” في كشف أسرارها.
في الثلاثية القديمة، هناك المقاومة، الاسم المستعار لـ”حزب الله”. أما في الثلاثية الجديدة، فهي باقية باقية باقية، شاء من شاء وأبى من ابى. كان الله في عون لبنان!