ليس من المستبعد أن تضع طهران في وقت قريب ملفاتها كلها على الطاولة الأميركية من أجل أن تخرج باتفاق نووي جديد. الحرب التي توقعتها إيران بابا للفرج لن تكون ممكنة في ظل إصرار الرئيس الأميركي على الاستمرار في تطبيق العقوبات باعتبارها الحل الأقل تكلفة.
ما يمكن أن يقع لإيران لا يخرج عن نطاق خيارين. الأول أن تقبل بالعقوبات كونها استحقاقا طبيعيا لا يمكن الفرار من ضريبته، والثاني أن تحمل كل أوراقها وتذهب إلى مفاوضات، تعرف أنها ستخرج منها خاسرة إلا بما يضمن سيادتها على أراضيها واستقلالها والإبقاء على قدرتها على التصرف بثرواتها.
إن قررت إيران الصمود، وهو ما يمكن أن يحرجها في مواجهة حاجتها إلى تغطية إنفاقها على ميليشياتها وبرنامج التسلح الذي صار بالنسبة لآيات الله والتابعين لهم عنوانا للتطور الذي شهدته إيران في ظل ولاية الفقيه، فإن نظامها سيفقد تدريجيا السيطرة على الوضع الداخلي بعد أن يضرب الانهيار الاقتصادي جوانب كثيرة من الحياة بالشلل.
أما إذا اختارت أن تفاجئ نفسها وتخالف رأي مرشدها وتذهب إلى المفاوضات، فإنها ستنجو من تداعيات العقوبات وآثارها غير أنها في المقابل ستلغي من ذاكرتها ثلاثين سنة من الجهد لبناء إمبراطورية فارسية بغطاء مذهبي مضلل، أهدرت عبرها الجزء الأكبر من ثروات الشعوب الإيرانية. سيكون على إيران يومها أن تنسى طموحها في أن تكون دولة عظمى، وتلتفت إلى الخلف لترى حقيقة تخلفها على جميع الأصعدة.
في مرآة المفاوضات سترى إيران حجمها الحقيقي، غير أنها في الوقت نفسه ستُصدم برؤية وضعها الرث الذي كانت الشعارات والهتافات والمسيرات الجنائزية تغطي عليه. إيران في حقيقتها بلد رث وجد في نجاح مشروع تصدير الثورة نوعا من التعويض، صنعت منه إيران واجهة يتم من خلالها تقديم عروض استعراضية لدُماها من أمثال حسن نصرالله.
في الحالتين فإن إيران ستجد نفسها رهينة لعقدتها الأولى والأخيرة “الولايات المتحدة”. وهي العقدة التي صنعتها من مزيج من الأوهام والأكاذيب والأباطيل من خلال شعار شعبي هو “الموت لأميركا” لم تقابله الولايات المتحدة برفع شعار “الموت لإيران”، غير أنها صارت واقعيا في طريق إنجازه. ذلك لأن موت النظام الإيراني يمكن التحقق منه، إما عن طريق الخنق وهو ما تعمل عليه العقوبات الاقتصادية، وإما عن طريق تجريده من مشروعه التوسعي الذي هو عنوان وجوده في المنطقة.
أعتقد أن إيران بالرغم من عنادها فإنها ستعترف أن كل الطرق تقود إلى واشنطن. وهو اعتراف لا بد أن يأتي مبطنا. فبعد أن فشلت كل الوساطات التي حاول الإيرانيون من خلالها أن يظهروا نديتهم للأميركان فإنهم سيقدمون على إرسال رسائل مباشرة إلى الولايات المتحدة تحثها على عدم إهمالهم. ذلك لأن أشد ما يُخيف إيران أن تُهمل وسط ركام من العقوبات وهو ما حدث للعراق بعد حرب تحرير الكويت.
وإذا ما كان الإيرانيون يعتبرون أنفسهم دهاة في عالم السياسة، فإنهم كانوا أغبياء في فهم سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. لقد راهنوا على انفعاله السريع وردة فعله الطائشة، فإذا به يقابلهم بسخرية صبره الذي لا ينفد فيما كان الوقت يضيق من حولهم. كان ترامب واضحا في علاجه للمسألة الإيرانية. ولم يكن أحد يشك في أنه سيتراجع عن قراره في ذلك الشأن.
ما فعله ترامب من خلال تشديد العقوبات على إيران يؤكد أنه صار منفتحا على خيار آخر غير خيار الحرب. وهو ما يقلق الإيرانيين حين يفكرون بأنهم سيُهزمون من غير أن يُسمح لهم باستعمال أسلحتهم التي هيأوها من أجل حرب، لا أحد يرغب في وقوعها.
لذلك ستكون هزيمتهم عن طريق المفاوضات هي أفضل عرض يُقدم إليهم.