تحوّل ملف منع بيع عقارات في بلدة الحدت من غير المسيحيّين قضية دوليّة بعدما تناولتها وسائل الإعلام العالميّة في إشارة إلى تراجع الوضع الحواري في البلد الذي يتغنّى بالعيش المشترك.
والواقع أن اللبنانيّين أثاروا الموضوع من ضمن مواضيع تلهيهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وسرعان ما تخبو في بلد الفضائح والمصائب والتطوّرات المُتلاحقة التي يطغى بعضها على بعض في أيّام قليلة.
والقرار في الحدت ليس جديداً إنما يعود إلى العام 2010 عندما حدثت بيوعات عدّة مشبوهة لا تُساعد حكماً في العيش المشترك بل تقضي عليه لأنّها تعتمد سياسة إلغائية، فتعمل من خلال التغيير الديموغرافي على ضرب الميثاق الوطني والشراكة الاجتماعية.
قد تكون صرخة شاب أو أكثر مُحقّة، إذ لكل فرد الحقّ في اختيار المنطقة السكنيّة التي يريد، ولكن أمام المُخطّطات الكبيرة يُصبح المنع أيضاً مبرّراً.
في العام 2010، وعند احتدام هذه المسألة، تقدّم وزير العمل بطرس حرب (آنذاك) بمشروع قانون إلى مجلس الوزراء يتعلّق ببيع الأراضي بين المواطنين اللبنانيّين. وجاء فيه:
المادة الأولى: مع مراعاة أحكام قانون تملّك الأجانب وأحكام قوانين الإرث، يُمنع لمدة خمس عشرة سنة بيع العقارات المبنية وغير المبنية الكائنة في لبنان بين أبناء طوائف مختلفة غير مُنتمية إلى دين واحد.
وجاء في الاسباب الموجبة: “يشهد لبنان منذ فترة عمليات بيع وشراء أراضٍ شبه منظمة من أفراد، أو شركات يملكها أشخاص، من طوائف معيّنة، لأراضٍ يملكها أشخاص من طوائف مختلفة عن طوائفهم، ما أثار الكثير من المخاوف من ضرب صيغة العيش المشترك القائم على اختلاط اللبنانيّين الجغرافي والثقافي، ومن تشجيع لهجرة طوائف معينة، ناهيك عن الفرز الطائفي والجغرافي والإجتماعي والسياسي والإقتصادي الخطير الذي قد ينجم عنها، وهو ما يعرّض وحدة البلاد للخطر وما يناقض ميثاق العيش المشترك وما يتعارض مع التعددية التي قام عليها لبنان، والتي تشكل أحد العناصر الأساسية للوطن. وبالرغم من أن الدستور اللبناني يصون حق الملكية الفردية (المادة 15)، باعتبار أن النظام اللبناني مبني على مبادئ الإقتصاد الحر وحتى التملك والتصرف بالملك، إلا أن هذا الحق ليس مطلقاً لا حدود له، بل هو حق خاضع لقيود تفرضها المصلحة الوطنية والظروف الإستثنائية، وهو ما يفسر أن بعض القوانين الوضعية تحدّ من حرية التصرف المطلقة حماية للمصلحة العامة، أو الإستقرار، كما في حالات الإستملاك لمنفعة عامة أو حالات الشفعة أو الأفضلية. وقد عمد بعض الدول إلى إصدار تشريعات إستثنائية تحد من حرية التصرف بالأملاك العقارية لمحو آثار الحروب الداخلية أو الخارجية، أو لصون السلم الأهلي ودرء الفتن أو لمنع التهجير”.
صحيح أن القانون لم يُبصر النور، وهو كان سيشكّل وصمة عار فيما لو أُقر، لكن الصحيح أيضاً أن فكرته لم تولد من عدم، وإنّما من معاناة وخوف وقلق على المصير في بلد تنقصه الثقة ما بين أبنائه ويعوزه الشعور بالمواطنة قبل الانتماء إلى الطائفة والمذهب.
وللحديث تتمّة أيضاً.