عطفا على المذكرة المدوية التي رفعها كل من: تشارلز إي غرازلي رئيس لجنة التمويل في مجلس الشيوخ، والسيناتور توم كوتون، والسناتور جون كورنين، والسيناتور تود يونغ، والسيناتور ماركو روبيو، والسناتور تيد كروز، والنائب مايك جونسون، والنائب ليي زيلدين، وهم أهم النواب والشيوخ الأميركيين، مطالبين فيها وليم بار، وزير العدل الأميركي، بإدراج قناة الجزيرة التي تبث في أميركا باللغة الإنكليزية على قائمة العملاء، لا بد من التساؤل عن السر المَخفي في أروقة الإدارات الأميركية المتعاقبة، الجمهورية والديمقراطية، الذي يمكن تلخيصه بغض النظر التام عن نشاط الحكومات القطرية، من أول يوم تسلم فيه الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني المشيخة بانقلاب مستغرَب ومستهجَن على والده أثناء غيابه، وحتى اليوم.
فليس مستورا أبدا هوس الشيوخ القطريين باحتضان جميع حركات الإسلام المسلح بالغاز السام والقنابل والمفخخات والخناجر والسكاكين، سواء منها العربية والإسلامية والدولية، وتمويل جميع الميليشيات المتطرفة التي تضعها حكومات ثلاثة أرباع الكرة الأرضية على قوائم الإرهاب، أو تنوي فعل ذلك. ويمكن تلخيص اللغز المحير في السياسة الأميركية الخاصة بالموقف من قطر، بثلاثة أمور.
الأول هو انغماس الحكام القطريين الدائم والثابت في احتضان الإخوان المسلمين المصريين، والسوريين والفلسطينيين والعراقيين والليبيين، ومنحُهم المأوى الآمن الذي يطلقون منه مشاريعهم، والإغداق عليهم بالمال الذي يحتاجونه لتمويل عملياتهم “الجهادية” في مصر وسوريا وفلسطين وليبيا والعراق، وتفريغ قناة “الجزيرة” بالكامل لنشر فتاواهم وشتائمهم وتلفيقاتهم ضد أنظمة حكم ليست حليفة لأميركا، فقط، بل هي داعمة ثابتة ومخلصة لسياساتها، وحافظة لمصالحها ومعادية لخصومها.
والثاني هو تحالف القطريين التام، في جميع الأمور السياسية والعسكرية والاقتصادية والفكرية والعقائدية والإعلامية، مع نظام طهران الذي دوخ أميركا وحلفاءها، وهدد مصالحها، واغتال جنودها وضباطها، وكان وما زال مصرا على معاداة كل ما هو أميركي، ظالما كان أو مظلوما، طالحا أو صالحا، أحمر أو أخضر، أسود أو أبيض. ومن أيام الخميني وطيلة أيام ورثته المعممين الحاليين، والمرشدُ الأعلى وكبارُ أعوانه العسكريين والمدنيين، لا يتوقفون عن سب أميركا وربيبتها إسرائيل، هاتفين، بقوة وحماسٍ ثوري منقطع النظير “الموت لأميركا” و”المحو الكامل لإسرائيل”.
والثالث “جهاد” الشيوخ الحكام القطريين، من أكبرهم إلى أصغرهم، بشتى الأعذار والمبررات، لإلحاق أي قدر ممكن من الأذى الأمني والإعلامي والسياسي والاقتصادي بشركائهم في مجلس التعاون الخليجي، وذلك في تعارض صارخ مع أهم مرتكزات السياسة الأميركية في المنطقة، والتي يُعتبر تحالفُها التاريخي الاستراتيجي الثابت والدائم مع حكومات الخليج العربي ومصر، أهم أساساتها الثابتة التي لا تتغير.
ثم يدخل ضمن قائمة مشاكسات الحكام القطريين لأميركا ولدول الخليج الأخرى استقدامُهم قوات عسكرية تركية، وجيوشا من خبراء وتجار إيرانيين، لإعانتهم على زيادة منسوب عدم الاستقرار في المنطقة، وإطالة أمد التوتر فيها، إلى أبعد ما يمكن أن يكون.
ويكفي “جهاد” قناة الجزيرة وتفرغها وإصرارها، إلى درجة الإسفاف والافتعال المعيبيْن، على قلب الحقائق وتلفيق الوقائع في كل ما يخص مصر ويهدد أمنها الوطني وسمعة شعبها وحكومتها، علنا وعلى سمع أميركا، وأمام عيون مخابراتها التي لا تنام.
ولا يمكن إغفال الحديث عن دور الريال القطري في العراق، في عهد المخلوع نوري المالكي، وخصوصا في أيام خيم الاعتصامات السنية التي شهدت الولادات الأولى لداعش، وما تبع ذلك من سقوط الموصل واحتلال نينوى وصلاح الدين والأنبار وديإلى، ثم تمدده إلى سوريا.
وأخيرا جاءت أوامر القيادة القطرية لوكلائها العراقيين الذين كانوا أبطال “مقاومة الاحتلال الفارسي”، أيام الاعتصامات، ليتحولوا إلى حبايب وسكان مقيمين دائمين في منزل هادي العامري، جنبا إلى جنب مع نوري المالكي، إياه، بشحمه ولحمه، ولا يستحون.
ولعل آخر ملاحم الجهاد القطري الثوري، يدا بيد وكتفا إلى كتف، مع تركيا أردوغان الإخوانية، هو تمويل العصابات الإرهابية في ليبيا، وتسليحها وتدريبها وتحريكها، من أجل إطالة أمد الاقتتال ولمنع الليبيين من الاتفاق وإحلال السلام، نكاية بمصر، وانتصارا للإخوان المسلمين الذين أصبحوا عظاما، آملين في إحيائها وهي رميم.
فهل بعد كل هذا لم تتوفر القناعة لدى البيت الأبيض الأميركي بأن دولة قطر العظمى تحارب أميركا وتشاكسها وتخرب سياساتها ومواقفها وتحالفاتها ومصالحها في المنطقة والعالم؟
ثم، ألا يبقى لنا أخيرا أن نظن، رغم أن أغلب الظن إثم، بأن الشيوخ القطريين ليسوا أكثر من عصيٍّ يستخدمها العم سام ليهش بها على غنمه، ويتوكأ عليها، وله فيها مآرب أخرى؟