وجاء التصويت الأول عقابيا ودليل غضب من الشارع التركي على أردوغان الذي وضع البلاد في حالة عداء مع محيطها الخارجي لأجل تحقيق مكاسب شخصية. لكن بعد تعطيل نتائج الجولة الأولى اندفع سكان إسطنبول إلى معاقبته بشكل أوضح وبرسالة متعددة الأوجه، وباحتجاج عليه شخصيا، وعلى مرشحه وأقرب السياسيين إليه، وعلى عدم احترام النتائج السابقة.
ومني حزب أردوغان بهزيمة مذلة، الأحد، مع فوز مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو في انتخابات الإعادة لرئاسة بلدية إسطنبول بفارق كبير عن منافسه مرشح الحزب الحاكم بن علي يلدريم.
وشعر معظم المحللين بأن أردوغان يخوض مخاطرة ضخمة عندما طالب بإلغاء نتيجة الاقتراع الأول في مارس وسط اتهامات بتجاوزات.
وثبُت ذلك التوقّع مع فوز إمام أوغلو على مرشح الحزب الحاكم بن علي يلدريم بفارق 800 ألف صوت، مقارنة بـ13 ألف صوت في مارس.
وتمنح نتيجة الانتخابات المعارضة السيطرة على مدينة يبلغ عدد سكانها 15 مليون نسمة هي القلب الاقتصادي لتركيا، والتي طالما كانت مصدر دعم مهم بالنسبة لحزب العدالة والتنمية إسلامي التوجّه بزعامة أردوغان لربع قرن.
وصور إمام أوغلو نفسه ضحية بعد حرمانه من الفوز فاكتسب شهرة بعد أن كان مغمورا ولم يتولّ من قبل سوى منصب رئيس بلدية بيليك دوزو.
وأدى ذلك إلى جعل أردوغان في موقف دفاعي للمرة الأولى، بحسب المحلل في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى سونر تشابتاي.
وقال تشابتاي “إمام أوغلو يولّد الأنباء والخطابات وأردوغان يرد عليها”.
ولعب الناخبون الأكراد البالغ عددهم الملايين في إسطنبول، دورا كبيرا على الأرجح، وسط غضب إزاء قمع الحكومة للنشطاء الأكراد في السنوات الماضية.
ورمى الحزب الرئيسي الموالي للأكراد، بثقله خلف إمام أوغلو وبرز علمه بشكل واضح في احتفالات الفوز، الأحد.
ويقول الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية بجامعة بيلكنت في أنقرة بيرك إيسين إن “نخبة حزب العدالة والتنمية ستسعى على الأرجح لتقليل أهمية الانتخابات والتصرف وكأنها ليست بالأمر المهم”.
لكن أردوغان سيظل عليه مواجهة منافسين في الداخل، بحسب إيسين.
وتتحدث أنباء متواصلة عن أن شخصيات كبيرة سابقة في الحزب، منها رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو والرئيس السابق عبدالله غول اللذان انتقدا قرار إعادة انتخابات بلدية إسطنبول، تراودهما فكرة تأسيس حزب جديد.
وتبدو الهزيمة، الأحد، مريرة خصوصا عند الأخذ بعين الاعتبار قدرة أردوغان على تحريك مصادر الدولة “وسيطرته على العديد من المؤسسات من وسائل الإعلام إلى المحاكم ولجان الانتخابات”.
وذكر موقع أحوال تركية أن أردوغان الانتهازي بات بلا خيارات ولا ذخيرة، وترك حزب العدالة والتنمية بائسا وغير مستقر وخائفا وفي حالة تشاحن وتعفن من الداخل، بعد أن جرب كل التحالفات الممكنة ودمرها.
علاوة على ذلك، أعادت قرارات أردوغان حزب الحركة القومية مرة أخرى إلى موقع السلطة، إلى جانب الشبكات القومية المتطرّفة التي أقامت لنفسها موطئ قدم في المواقع الأساسية.
وتوقع الصحافي التركي الهان تانير أن لا يظل ما حدث في إسطنبول محصورا في تلك المدينة وحدها، مؤكدا “أن سلسلة انتصارات أردوغان التي حالفه فيها الحظ بلغت نهايتها. والجميع على علم بذلك”.
واعتبر السياسي الألماني في حزب الخضر المُعارض، جيم أوزدمير، أنّ عصر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد انتهى.
وتنصبّ الأنظار على شريك حزب العدالة والتنمية في الائتلاف الحاكم، حزب الحركة القومية اليميني الذي تحتاج له الحكومة للاحتفاظ بغالبيتها في البرلمان. وأي انشقاق يمكن أن يؤدي إلى انتخابات مبكرة، وهو ما لن يحظى بشعبية في بلد أجرى ثمانية انتخابات في خمس سنوات فقط.
ولا يزال أردوغان قادرا على عرقلة مهام إمام أوغلو في بلدية إسطنبول، ذلك أن حزب العدالة والتنمية يسيطر على غالبية المقاعد في المجلس البلدي.
وأقالت الحكومة رؤساء بلديات وخصوصا موالين للأكراد في جنوب شرق البلاد، واستبدلتهم بإداريين معينين من الحكومة المركزية، رغم أن من شأن ذلك أن يكون استراتيجية محفوفة بالمخاطر نظرا لحجم فوز إمام أوغلو.
ووُصفت مؤامرات أردوغان ومكائده أيضا بأنها ساهمت في أن ينقلب السحر على الساحر، ذلك أنّ آماله وأوهامه التي عقدها على دعوة أوجلان لأنصاره بالتزام الحياد انقلبت عليه، وأدّت إلى انفضاض حلفائه من حزب الحركة القومية اليميني المتشدّد من حوله، وتصويت قسم منهم لمرشّح المعارضة، وكأنّهم انتقموا من مهادنته المزمعة للأكراد، ومحاولته مسايرتهم عبر السماح للزعيم أوجلان بلقاء محاميه، وإرسال رسائل إلى أنصاره.