الواضح أن البلد رهينة، الطائفية والمذهبية. والواضح أن أسس النظام السياسي ترتكز على المحاصصة القائمة على مراعاة حسابات الطوائف والمذاهب. والاكيد أن الدستور يحفظ التوازنات الطائفية بمعزلٍ عن الحسابات الديموغرافية، وهذه مسألة في غاية الأهمية، ولكن المخيف أن ثمة أطرافاً سياسية لا تتوانى عن إعادة بناء جدران الطائفية بين اللبنانيين بطريقةٍ أقل ما يقال فيها أنها تؤسس الى ما لا تحمد عقباه.
فالخطاب السياسي الهابط من، المارونية السياسية التي سوف تُستعاد بعد القضاء على السنّية السياسية، الى قرارٍ بلدي يمنع أبناء البلدة من بيع أملاكهم الى أبناء الطوائف الأخرى، إلى العنصرية تجاه النازحين السوريين واللّاجئين الفلسطينيين، الى ما هناك من مواقف وسياسات وخطوات، وهي كلها تثير الاشمئزاز والشكوك حول الأهداف الحقيقية لهذا الفريق الذي يقود البلاد نحو المجهول.
إن الإصرار على التغاضي عن التوازنات الدقيقة التي أرساها اتفاق الطائف، والتبجّح بتعديله بالممارسة، وإعادة إحياء الخطاب الحزبي البذيء، واستحضار عبارات المارونية السياسية والسنّية السياسية، وفوق كل ذلك، توفير الغطاء السياسي لرئيس بلدية يخالف الدستور والقانون، ويمنع حق التصرف بالملكية، يعني إن في هذه السلوكيات والأدبيات مجتمعة شيء من الجنون السياسي تعكسه قلة الخبرة والصبيانية التي تتحكم بأداء البعض.
ليس اللعب على حافة الهاوية مغامرةً ممتعة، بل إنها قد تكون مؤذية ومدمرة، كما أن التلاعب بالتوازنات السياسية في لبنان لطالما كان يماثل إضرام النيران اكوام القش.
تستمر النقاشات في لجنة المال والموازنة فيما تكشف سياسة التقشف في بعض القطاعات عن ازمات جديدة وآخرها قطاع الاستشفاء في ضوء عدم دفع المستحقات للمستشفيات الخاصة.
إقرا أيضا: لبنان والحرب الأميريكية الإيرانية
وحتى الآن تم تعديل أو تجميد تسعة بنود أبرزها فرض رسم 2 في المائة على الاستيراد، والحسومات من تعويضات المتقاعدين ورواتبهم وتعديل الرسوم على لوحات السيارات المميزة، وموازنة مجلس الإنماء والاعمار والهيئة العليا للاغاثة.
ومع حسم مجلس المندوبين لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، والمضي في الإضراب رفعت المستشفيات الخاصة الصوت مطالبة الدولة بدفع المستحقات المترتبة عليها والبالغة نحو الفي مليار ليرة، مهددة بالتوقف عن تقديم العلاجات لمرضى السرطان إذ لم يعد بامكانها شراء الأدوية اللازمة.
ومع توالد الازمات برز الكباش بين المديرية العامة للجمارك والمجلس الأعلى للجمارك حول امتحانات خفراء الجمارك على خلفية تعليق نتائج قرابة 1500 شخص، اجتازوا الامتحانات في العام 2014 بنجاح، فالمدير العام بدري ضاهر وقعها، ورئيس المجلس الأعلى العميد أسعد الطفيلي رفضها لعدم توازنها الطائفي.
وتضاف هذه الازمة القديمة – الجديدة الى موضوع التعيينات حيث ليس هناك ما يدّل الى قرب البت بها نظرا لاستمرار الخلاف حولها، فيما تحاول جهات سياسية في السلطة الاستئثار بها وتجاوز آلية التعيينات المعمول بها منذ العام 2010، في وقت تردد انها قد تطال في الوقت الحاضر تعيين مدعي عام التمييز والمتوقع ان يكون القاضي غسان عويدات.
ان التمادي في هذه السياسات الهوجاء التي يظهر البعض ممن يعنيهم الأمر في لجمها، وكأنهم يعيشون في كوكب آخر. حسابات المصالح الخاصة، على ما يبدو، تفوق الحسابات الوطنية الكبرى.
النتيجة لهذه السياسات ستؤدي حتما نحو الهاوية! لذلك قليلٌ من الوعي قبل فوات الأوان!