قالت مصادر وزارية لبنانية مواكبة عن كثب للمحادثات التي أجراها الوفد الروسي في خلال زيارته لبيروت مع رؤساء الجمهورية ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري والحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، لم تحقق أي تقدّم يمكن أن يدفع في اتجاه تزخيم المبادرة الروسية لعودة النازحين السوريين إلى بلداتهم وقراهم. وأكدت أن المبادرة ما زالت تراوح مكانها وإن كانت موسكو تصر على تحريكها من حين لآخر، للإبقاء عليها حية لعل معطيات جديدة تتوافر من شأنها أن تضع الأمور على طريق التنفيذ ولو على مراحل.
ولفتت المصادر الوزارية لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الوفد الروسي برئاسة ألكسندر لافرنتييف الممثل الشخصي للرئيس فلاديمير بوتين في سوريا، ركّز على أمرين، الأول يتعلق بتوجيه دعوة للبنان لحضور مؤتمر آستانة المخصص للبحث في الأزمة السورية وإنما بصفة مراقب، والثاني حض لبنان على أن يكون المعبر الإلزامي لإعادة إعمار سوريا في حال التوصل إلى حل سياسي للحرب الدائرة فيها.
ورأت المصادر نفسها أن لبنان سيلبي الدعوة الروسية لحضوره مؤتمر آستانة بصفة مراقب، لكنه لن يتورط في أي موقف يراد منه التركيز على هذا المؤتمر ليكون البديل عن مؤتمر جنيف الذي كان أدرج العناوين الرئيسية لإنهاء الحرب في سوريا على قاعدة توفير الظروف لإيجاد حل سياسي.
وأكدت المصادر أن التحفّظ اللبناني يبقى في محله وإن كانت الدعوة له تشمل الدول الواقعة في جوار سوريا، وعزت السبب إلى غياب دول أساسية معنية في الوصول إلى حل في سوريا، خصوصاً أن الحضور من غير الدول المشاركة بصفة مراقب يقتصر على تركيا وإيران وروسيا وسوريا بممثلين عن النظام وأيضاً عن المعارضة السورية.
وكشفت المصادر هذه أن موسكو - بحسب الوفد الرئاسي السوري - تعتبر أن هناك ضرورة للتوصل إلى دستور جديد في سوريا بمشاركة فاعلة لجميع الأطراف فيها أكانوا من الموالاة أو المعارضة، وقالت إن تهيئة الظروف لإنتاجه من شأنه أن يؤدي إلى تزخيم عودة النازحين.
ومع أن الوفد الروسي تطرّق إلى ضرورة التواصل بين الدولة اللبنانية والنظام في سوريا، فإنه ركّز في المقابل على أن يبادر الأخير إلى اتخاذ مجموعة من الخطوات التي يمكن أن تمهّد الطريق ليستعيد ثقة النازحين به لأنها ما زالت مفقودة.
وفي هذا السياق، كرر الوفد الروسي دعوته النظام في سوريا، (الموقف الذي سبق للرئيس بوتين أن أدرجه في البيان المشترك الذي صدر عن محادثاته في موسكو مع الرئيس عون)، وفيه أن هناك ضرورة لتهيئة الظروف الاقتصادية والاجتماعية لعودة النازحين وتوفير الضمانات لهم، والسعي لدى الدول القادرة من أجل تمويل الخطة المرحلية لعودتهم لتأمين اندماجهم مع محيطهم.
واعترف الوفد الروسي بوجود صعوبة أمام البدء بإعادة إعمار سوريا على أن تشمل المرحلة الأولى البلدات والقرى المدرجة على جدول أعمال تنظيم عودة النازحين إليها.
ولفت إلى أن جهات عربية ودولية سارعت إلى فرملة القرار الذي كانت اتخذته لإعادة فتح سفاراتها في دمشق - واعترف كما تقول المصادر الوزارية - بأن الولايات المتحدة لعبت دوراً ضاغطاً دفع بهذه الدول إلى صرف النظر عن عودتها الدبلوماسية إلى دمشق.
كما لفت الوفد الروسي إلى أن بعض الأطراف الخارجية كانت أبدت استعدادها للمساهمة في تمويل إعادة تأهيل بعض البلدات والقرى التي سيعود إليها أهلها، لكنها سرعان ما بدلت موقفها في ضوء العقوبات الأميركية المفروضة على إيران والنظام في سوريا، إضافة إلى انسداد الأفق حتى إشعار آخر أمام الوصول إلى حل سياسي.
وتطرق إلى تبدّل الموقف الصيني، حيال دعم إعادة إعمار سوريا حتى بالنسبة إلى البلدات والقرى التي يمكن أن يعود إليها أهلها من النازحين. ونقل عن الوفد الروسي قوله إن بكين كانت أبدت حماسة للمساهمة في إعادة إعمار بعض البلدات، لكنها سرعان ما جمّدت قرارها بسبب العقوبات الأميركية على النظام في سوريا.
يذكر أنه سبق لعدد من النواب اللبنانيين، أن لاحظوا خلال اجتماعهم بوفد صيني زار بيروت أخيراً بأن بكين لم تعد مستعجلة للمساهمة في إعمار سوريا، رغم العلاقة المتينة التي تربطها بالنظام فيها، والعقود التجارية والاقتصادية المعقودة بين البلدين. وعزا هؤلاء النواب السبب، إلى أن بكين لا تود أن تغامر بعلاقاتها الدولية والعربية من خلال مبادرتها إلى اتخاذ خطوات عملية لإعادة إعمار سوريا طالما أن الحل السياسي لا يزال متعذّراً على الأقل في المدى المنظور.