قرع الرئيس الحريري ناقوس الخطر في جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت في تاريخ 18/6/2019، وقد أشار الى ضرورة تحريك المشاريع الاساسية المتعلقة بالنفايات والمياه والبيئة وربما فاته ذكر مشاكل السير والاختناق على الطرق ومساهمة هذه المشكلة في التلوث البيئي والصحي.
وبعد قرعه ناقوس الخطر، واشارته الى انحسار الاستثمار الداخلي والخارجي، قال: “إننا أقررنا خطة للكهرباء يتم في نهايتها تأمين التغذية الكاملة بالتيار الكهربائي وفي الوقت نفسه يتوقف النزف المالي للخزينة”. وأكد في نهاية حديثه عن الكهرباء أن “هذه خطتنا وليس هنالك بديل منها”.
أعلم ان الرئيس الحريري حساس بالنسبة الى أي انتقاد، خصوصاً في كل ما يتعلق بما يسمى الكهرباء. فحسب مراجعتنا لهذا الموضوع منذ عام 2007 أدركنا انه ليست هنالك خطة للكهرباء سوى ما يسمى خطة 2010 التي وضعها أساسًا وزير الطاقة السابق لوزراء “التيار الوطني الحر” الاستاذ محمد فنيش، والذي هو وزير اليوم وقد حظي بالإطراء على توجهاته من وزراء الطاقة في الكويت والجزائر الذين تعامل معهم وحصل على حقوق اسهمت في توفير كلفة انتاج الكهرباء.
خطة محمد فنيش التزمت توصيات لخبراء البنك الدولي سلمت الى السلطات اللبنانية عام 1996 وقد اشتملت تلك الخطة على توصيات جذرية كان أهمها ما أهمل منذ عام 2008 حتى تاريخه وهو الآتي:
– انشاء هيئة إشرافية على شؤون الطاقة يمكنها ان تنبه الوزير الى اخطاء قد ترتكب.
– انشاء مجلس ادارة من الفنيين المقتدرين لمصلحة كهرباء لبنان.
– صيانة وتطوير شبكة التوزيع.
– اعتماد شركة محاسبة دولية لتقدم تقارير سنوية مكتملة.
– انجاز غرفة تحكم لتوزيع الكهرباء وافترض مساعدة شركة كهرباء فرنسا في انجاز هذا الامر.
– توسيع استعمال أجهزة قياس الاستهلاك الكترونياً وانجاز المحاسبة مع المصارف للمستهلكين.
لم ينجز من هذه الخطة سوى اقدام حكومة الرئيس رفيق الحريري على تحسين شبكة التوزيع بعد انشائه أربع محطات لانتاج الكهرباء، 450 ميغاوات في دير عمار، و450 ميغاوات في الزهراني، و70 ميغاوات في بعلبك، و70 ميغاوات في النبطية وكان لبنان ينعم بـ24/24 ساعة من التغذية الكهربائية عام 2002.
أما الخطة التي يعتبر الرئيس سعد الحريري أن لا بديل منها، فهي تكريس لخطة 2010 بعد تفريغها من شروط تنفيذها والرقابة عليها، وتالياً شهدنا زيادة قيمة الاستهلاك للوقود بعد العجز عن استيراد الغاز، الانقى والاقل كلفة، من مصر عبر الاردن وسوريا، وتذرع سوريا، بحاجتها الى الكميات المخصصة للبنان، ومسارعتها الى تأمين الكهرباء للبنان باسعار مرتفعة.
هذه الخطة وافق عليها مجلس الوزراء، وكان الامر مستغربًا. فهنالك اربعة وزراء على الاقل يدركون عجز ادارة الكهرباء الذي تسبب به أربعة وزراء تعاقبوا من “التيار الوطني الحر” كما تسببوا بزيادة الدين العام 27 مليار دولار، تضاف اليها تكاليف الفائدة بحيث اصبحت مشكلة الكهرباء الاساس للعجز في الموازنة.
كيف تكون هذه الخطة لا بديل منها؟ هل تساءل رئيس الوزراء كيف أتيح للاردن انجاز 1000 ميغاوات (أي ما يساوي انتاج محطتين يفترض تلزيمهما للانجاز خلال سنتين وحتى تاريخه لا تتوافر مواصفاتهما) خلال سنتين بحيث بات لديه فائض من الكهرباء ينتج من محطات لا تسهم في التلوث والاضرار بصحة المواطنين.
المشروع الاردني انجز لان الحكم في الاردن يدرك ضرورة الاعتماد على مشاريع انتاج الطاقة المستدامة والتي تقلّ تكاليفها عن تكاليف الانتاج في لبنان البالغة 23 سنتاً للكيلووات/ ساعة (راجع كتيب وزير الاقتصاد الحالي الصادر عام 2014 عن مشكلة الكهرباء). وتكاليف الطاقة الشمسية تراوح بين 6 و8 سنتات للكيلووات/ ساعة، والصين أهم بلد لانتاج الألواح الزجاجية، ولبنان يعتمد على الاستيراد من الصين في المقام الاول، وسفير الصين ينادي على اللبنانيين للانتباه الى امكانات التعاون التي تجلت حتى تاريخه مع اليونان، والاردن، والامارات العربية المتحدة، والكويت الخ.
لا ندري كيف يعتبر الرئيس الحريري ان لا بديل من الخطة التي هي نسخة مختصرة عن خطة 2010 التي لم تطبق، ولا نعرف على ماذا يبني ثقته بفريق حمّل لبنان القسم الاعظم من دينه العام.
الخطة المفترض ان يطبقها وزير الطاقة تتجه الى التعاقد على انجاز محطتين تعتمدان المشتقات النفطية، وابقاء عقود استئجار البواخر التركية خلال فترة الانجاز، وليس هنالك من يؤكد انجاز المحطتين خلال سنتين.
على رئيس الوزراء ان يتفحص أين صارت المفاوضات مع الشركة القبرصية اليونانية التي حازت عقد انجاز محطة دير عمار عام 2013 ولم يباشر العمل لسبب وهمي هو استحقاق أو عدم استحقاق الضريبة على القيمة المضافة. ومعلوم ان هذه الضريبة لو استحقت على وزارة الطاقة لذهبت الى وزارة المال، فاين المشكلة؟
ثماني سنوات انقضت على توقيع عقد ولم يبدأ العمل على تنفيذه، فكيف لنا ان نشعر بالاطمئنان الى العقود الجديدة، هذا مع العلم ان الوزير السابق، الذي عرض على أكبر شركة لانتاج الكهرباء في المانيا، المساعدة التقنية، انغمس في مفاوضات مع الشركة القبرصية، تفاديًا لحكم على لبنان يرتب تعويضات تبلغ 200 مليون دولار للشركة، منذ عشرة أشهر، ولم تفض المفاوضات الى أي نتيجة.
دولة الرئيس، اذا اردت للبنان النجاح، وللبنك الدولي تأمين 3.6 مليارات دولار من القروض المفترض توفيرها ممن شاركوا في مؤتمر “سيدر”، عليك ان تتوجه الى تنفيذ حقول استقطاب الطاقة وتجميعها للتوزيع مع الصينيين، وحينئذٍ تتوافر الطاقة بكلفة لا تزيد على 8 سنتات للكيلووات/ ساعة ويتوافر التمويل الطويل المدى، ولا منهج آخر.