عشية التعيينات الإداريّة المزمع إصدارها، يهمّ المواطن اللبنانيّ الآمن الأعزل المؤمن باستقلال السلطة القضائيّة استقلالًا تامًّا لا انتقاص منه ولا تدخّل فيه، أن يدعو أهل “العهد القويّ” والحكم والحكومة، ومَن يلفّ لفّهم علنًا وسترًا، وأن يدعو في الآن نفسه، كلّ مَن له صلةٌ مباشرةٌ أو غير مباشرة، بالسلطتَين التشريعيّة والتنفيذيّة، إلى وقف التدخّل الفوريّ، في التعيينات القضائيّة.
هناك آليّاتٌ ومعايير يجب أن تبقى “مقدّسة”، وفي منأى من كلّ مصالح فئويّة، وبعيدًا من كلّ ترهيبٍ وترغيبٍ ومصادرة.
هناك رجالُ قانونٍ ودستورٍ مستحقّون، من حَمَلة ميزان العدل، متمرّسون بـ”الأخلاقيّات المهنيّة”، ومن أصحاب الأهلية والكفاءة والخبرة والنزاهة والاستقلاليّة والحريّة الوجدانيّة والكرامة الإنسانيّة. هؤلاء، نصِّبوهم ليحكموا بـ”العدل أساس الملك”.
السلطة القضائيّة، على رغم العلل التي تعتري بنيانها وجسمها، يجب أن نظلّ نقتنع بأنّ استقلاليّتها ضرورةٌ وجوديّةٌ وكيانيةٌ مطلقة. وبأنّها الحصن الأخير في جسم الدولة اللبنانيّة المتداعي والمتهالك، الذي ينخره الفساد. وحدها هذه السلطة القضائيّة الحرّة السيّدة المستقلّة من شأنها أن تعيد إلى الدولة هيبتها وكرامتها، وأن تعيد إلى المواطنين ثقتهم بها.
ندعو بتواضعٍ مرير، كلّ مَن يعنيه الأمر، ولا سيّما أهل القانون والقضاء والدستور والحقّ والعدل، إلى رفض الدخول في هذه “اللعبة” المشينة التي يُنشَر غسيل أسمائها وانتماءات هذه الأسماء، الحزبيّة والفئويّة والطائفيّة والمذهبيّة، في الصحف وفي التلفزيونات والمواقع الإخباريّة وعلى وسائل التواصل الاجتماعيّ.
كلّ مَن فيه “دم”، يجب أن ينتفض ارتجافًا، رفضًا لهذا العار الذي يمكن أن يلحق بالجسم القضائيّ، وخصوصًا في تعيينات المجلس الدستوريّ، وسواها من تعييناتٍ قضائيّةٍ، في كلّ المجالات، وعلى كلّ المستويات.
هذه “اللعبة” وسخةٌ ومدمِّرة. وهي إذ تفيد راهنًا مَن يديرها والمشتركين فيها، فإنّها سترتدّ بالوبال على لبنان الحرّيّة والعدالة والمساواة والحقّ والقانون.
لقد سيم القضاء أشكالًا وأنواعًا ومستوياتٍ رهيبة من التدخّلات المريبة والمهينة، طوال الحقبات الماضية، لكنّ ما يتمّ تداوله الآن من أسماء ومعلومات، وهو في متناول الجميع، ولم يعد سرًّا خافيًا، يُنذر بالخطر الذي يفوق كلّ خطرٍ سابق.
في التاسع والعشرين من كانون الأوّل 2002، صدر العدد السنوي من “الملحق”، “ملحق النهار”، حاملًا على غلافه عنوان “القضاء يحمي الجميع فمَن يحمي القضاء/ القضاء يحاسب الجميع فمَن يحاسب القضاء؟”، مقرونًا بشعار “العدل أساس الملك”، وهو الشعار الذي ترفعه السلطة القضائيّة فوق قصورها وعلى أقواس محاكمها، نبراسًا ومعيارًا.
شارك في العدد المذكور أهل اختصاصٍ وقانونٍ ودستورٍ من المشهود لهم بالأخلاقيّات المهنيّة، وضعوا مساهماتٍ لا تزال صالحةً إلى يومنا هذا، وقد تكون علامةً من علامات الضمير، بل من علامات الأزمنة.
ندعو، باسم المواطنين الآمنين العزّل، لا المعنيّين فحسب في “العهد القويّ” والحكم والسلطة والحكومة ومجلس النوّاب، ولا القضاة والمحامين والدستوريّين والقانونيّين فحسب أيضًا، بل ندعو اللبنانيّين قاطبةً، وكلًّا منهم فردًا فردًا، إلى استعادة هذا العدد، وقراءته بإمعان، وإلى تحمّل المسؤولية المباشرة في هذا الشأن وفي سواه، قبل أن نصير جميعنا – ولا بدّ – أكباش هذه المحرقة وضحاياها.
العدل أساس الملك، فلا “تلعبوا” بأساس الملك، ولا بعدل القضاء!