ماليءُ الدنيا وشاغلُ الناس، كلَّما امتطى جواداً يرتفع خلفه الغبار، وليس كلُّ غبارٍ في المعارك يبشِّر بِراياتِ النصر...
هذه الظاهرة «الباسيلية»، أو «أنا الباسيلية» كمثل ما سمّاها الدكتور سمير جعجع تيمُّناً بالملك لويس الرابع عشر «أنا الدولة.. والدولة أنا..»، هي ظاهرة تخضع للتأويل، حول ما إذا كان هذا الضمير المتكلم الذي هو «أنا»، قد أصبح جوهراً قائماً بذاته يختصر الإعتزاز الجماعي في ابتكار الأفعال وتحقيق الآمال.
وهي ظاهرة تشغل الأوساط السياسية بكثير من الحيرة والذهول حيال مدى تطابق السلوك السياسي مع الطموح الرئاسي...
ومثلما أنك لا تستطيع أن تـتّهمَ الرجل بالغباء، فلا تستطيع أيضاً أن تكتشف معه سرَّ ذلك الذكاء الذي لم يترك دُبّـاً سياسياً وحزبياً وإقليمياً إلاّ استدرجه الى كـرْمِه، مع أنّ هؤلاء الدِبَـبَة جميعاً هم الذين ينتخبون الرئيس...
إذا شئت أن تتعمّق في كلِّ ما ينهمرُ غزيراً على لسان الوزير جبران باسيل، تستدْرِجُك المفارقة بين ما هو حقيقة وطنية، وما هو ممارسة سياسية، فترى نفسك منحازاً معه الى الوطني المصيري في مواجهة السياسي التقليدي، تأثُّـراً بقولِ جبران بشرّي، «لكم لبنانكم ولي لبناني».
وإذا استطعتَ اللّحاق بـهِ في الهرْوَلة على طريق الحقائق الوطنية، تلْفِتُك أسلوبية التعبير النقدي لأنّ الأسلوب الهجوميّ الجاف، بقدر ما ينـفِّر رَهافةَ المشاعر يقلّص طاقة تأثير العقل في النفس، «والباسيلية» ما انفكَّت تـندِّد بخطايا التعبير «المرقَّـط» ومعارك تحليل فئات الدم.
ولكنّ النقد الجارح يصبح مبرّراً إذا ما تناول جميع القوى السياسية والحزبية عندنا، على غرار الحملة العارمة التي يشنُّها السواد الأعظم من اللبنانيين على كلِّ هؤلاء المسؤولين بما سبَّـبوه للبنان من عظائم الهزائم، وقبائح المفاسد، وكريه الروائح.
عودةً، الى ما قيل: إنـه جنوح يحول أو لا يحول دون الطموح، فنرى أن الوزير باسيل يبني رهانَـهُ على قاعدتين:
أولاً: إبراز نفسه الممثِّل الأقوى للمسيحيين نيابياً ووزارياً وشعبياً وإدارياً، فيصبح الإعتراف به مرشحاً رئاسياً من المحتَّـم المفروض.
ثانياً: تعزيز العلاقة المميزة بحزب الله على قاعدة: «عدوُّ صديقك عدوّك».
وإذا جاز لنا أن نقترح عليه «الثالثاً»... نتمنى أن يتمثَّل بجبران الفرنسي: المفوض السامي «غبريال بيـو Pieux» الذي شاء أن يعزز دوره لدى ممثلي الطوائف في لبنان فراح يزورهم قائلاً: أنا إسمي جبرائيل وقد ورد إسمي في القرآن الكريم والإنجيل الشريف.
على أن هذا الوزير الذي يهوى المبارزة على صهوات الخيل لا تشكِّل حماسيات إبن شدّاد خوفاً عليه بقدر عنجهيات المتنبي: ماليء الدنيا وشاغل الناس وصاحب البيت الشعري الشهير:
الخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفُني والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقَلمُ.
ولكن، هذا البيت الشعري الشهير الذي أطلقه المتنبي في مفاخراته، كان هو السلاح القاتل الذي أطلق عليه النار.