كشف المصدر ذاته أن هناك تباينات كبيرة بين قوى الحرية والتغيير، يجري إخمادها مبكرا، وعدم السماح بظهورها بشكل علني، خوفا من تأثيرها السلبي على قوى الثورة وموقفها التفاوضي مع المجلس العسكري.
وأكد الباحث في الشؤون السودانية هاني رسلان، أن الخلافات الأساسية سببها رفض بعض المشاركين تكوين مجلس قيادي وتحديد متحدثين رسميين باسمه، وهو ما اقترحه الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي. لكن الأحزاب اليسارية، خاصة الحزب الشيوعي، لم ترحب بالأمر، وهو ما انعكس في شكل هجوم على المهدي واتهامه بالرغبة في الهيمنة والوصاية على قوى الحرية والتغيير.
ويقول البعض من المراقبين إن هناك خلافا كبيرا داخل تحالف الحرية والتغيير يدور بين حزب الأمة القومي والحزب الشيوعي، لأن الأول يرى أن المناورة واتخاذ مواقف وسطية من الممكن أن يحلحلا الأزمة الحالية، فيما يرفض الثاني المواقف الرمادية ويصر على تنفيذ وجهة نظر التحالف من دون تقديم تنازلات للمجلس العسكري.
وأضاف رسلان، في تصريحات لـ”العرب”، أن المجلس العسكري يعول على مخاطبة جميع القوى السياسية، بما فيها التي تناصر علنا نظام البشير.
وفسر هذا الاتجاه برؤية المجلس المرتبطة بوجود خلافات متفاقمة داخل قوى الحرية والتغيير، وأن هذا التحالف عبارة عن مجموعة محدودة في بعض المدن السودانية، وقابلة لأن يتم تفريغها ولا يمكن التعويل عليها، باعتبارها “فصيلا سياسيا وحيدا في البلاد”.
وأصبحت المناكفات بين أعضاء قوى الحرية والتغيير ظاهرة الآن، بسبب تمسك بعض الأطراف الموجودة داخلها بموقفها، واختلاف الرؤى بشأن إدارة الأزمة مع المجلس العسكري، فضلا عن تعقيدات المشهد العام وحالة الشدّ والجذب وكلها عوامل تدفع إلى أن تطفو المشكلات على السطح.
وأوضحت الصحافية السودانية رابعة أبوحنة لـ”العرب”، أن الخلافات لم تفارق قوى الحرية والتغيير منذ تأسيسها، وذلك منطقي، لأنها في الأصل مختلفة أيديولوجيا وجمعتها ظروف الثورة والحراك، وضرورة وجود جسم سياسي موسع يقود الشارع، ما اضطر الأحزاب التي توافقت على إزاحة البشير للانضواء داخلها، لكن تغير الأهداف يدفع الآن نحو تغير المواقف.
وتخشى شخصيات فاعلة في الثورة السودانية أن تؤدي التجاذبات إلى المزيد من الفواصل السياسية، بما يضاعف من صعوبة التوصل إلى تفاهمات تمنع الأزمة السودانية من دخول مربعات قاتمة.
ورأى السياسي والصحافي السوداني فيصل محمد صالح في حوار مطول تنشره “العرب” اليوم (ص7)، أن الوضع الحالي في السودان يشهد حالة من انعدام الثقة بين الطرفين، مع تصاعد الاتهامات المتبادلة.
وأدت الخلافات داخل تحالف قوى المعارضة إلى تعطيل الوساطة الإثيوبية التي تنتظر ردودا حول فحوى الوساطة وليس شروطا مسبقة تعد بمثابة إفشال لها. وتستقبل الخرطوم، الجمعة، الوسيط الإثيوبي محمود درير، بعد أن تأجلت زيارته ليوم واحد أملا في تهيئة الأجواء لاستئناف التفاوض غير المباشر بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير.
وفيما يثير تشدد المعارضة امتعاضا من أطراف مختلفة تقوم بتدخلات وضغوط لتعبيد الطريق أمام نجاح الوساطة الإثيوبية، فإن المجلس العسكري لا يتوقف عن إطلاق التصريحات التي تظهر حسن النية، ويتخذ خطوات داعمة لذلك مثل محاكمة من نفذوا عملية فك الاعتصام وإقالة المسؤولين المقصّرين.
وأعلن نائب رئيس المجلس العسكري بالسودان، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، القبض على الأشخاص المتورطين في فض الاعتصام، متعهدا بتقديم كل من تجاوز حدوده إلى محاكمة علنية.
وأوضح أن المجلس العسكري متمسك بمحاكمة رموز النظام السابق، وأنه من الآن وصاعدا ستبدأ كل المحاكمات، ولن يؤثروا على سير العدالة، وسيحتكمون إليها.
كما أقال المجلس العسكري، أمس، النائب العام الوليد سيد أحمد محمود وعيّن عبدالله أحمد عبدالله خلفا له، في محاولة لتجاوز تداعيات فض الاعتصام وما سببه من إزعاج على مستويات مختلفة، فرضت على المجلس البحث عن مخرج مناسب يمنحه فرصة لبدء صفحة جديدة.
والخميس الماضي، قال المتحدث باسم المجلس العسكري، شمس الدين كباشي، في مؤتمر صحافي، إن النائب العام، ورئيس القضاء عباس علي بابكر، شاركا في اجتماع أمني لمناقشة فض الاعتصام أمام مقر الجيش بالخرطوم، وقدما المشورة القانونية لتنفيذ المهمة، وهو ما نفاه الوليد سيد حمد.