تركّزت الاهتمامات الداخلية امس على نتائج لقاء «المصارحة والمصالحة» بين الحريري وباسيل، وانعكاسها على المناخ السياسي في البلاد، بعد التشنّج الذي اصابه لأسابيع نتيجة مضاعفات كلام باسيل عن «السنّية السياسية»، التي قال إنّها نشأت على «جثة المارونية السياسية». وقد عكس مناخ جلسة مجلس الوزراء في السراي الحكومي أمس، جانباً من نتائج لقاء «بيت الوسط» التي يبدو انها بُنيت على نتيجة لقاء بعبدا بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والحريري الاسبوع الماضي.
وقد أظهرت الاجواء التي سادت مجلس الوزراء، عودة التفاهمات «الى الخدمة» تحت سقف التضامن الحكومي، حيث شدّد الحريري على «التضامن الوزاري في مناقشة الموازنة في مجلس النواب والتزام القرارات التي اتّخذتها الحكومة أثناء مناقشتها هذه الموازنة».
وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية»، انّ باسيل كان «هادئاً جداً» خلال الجلسة، ولم يسجّل أي كلام مباشرة أو بالغمز خلال النقاش في جدول الاعمال.
وبدا واضحاً، انّ تفاهم الحريري - باسيل ستتوسع مروحته ليشمل تفاهمات مع أفرقاء أساسيين آخرين، وخصوصاً حول موضوع التعيينات المنوي اجراؤها قريباً.
وفي هذا الإطار، علمت «الجمهورية»، أنّ بدء البحث الجدّي في التعيينات بالأسماء والمراكز سيبدأ تدريجياً بعد عودة الحريري من سفره غداً الخميس الى الخارج. ويتصدّر هذه التعيينات مركز مدّعي عام التمييز، والمرجّح ان يكون للقاضي غسان عويدات بالتوافق، ثم يلي ذلك التجديد لنواب حاكم مصرف لبنان، باستثناء المقعد الدرزي، الذي يرشح رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط له فادي فليحان، فيما برز اتجاه الى الإبقاء على نبيل الجسر في رئاسة مجلس الانماء والاعمار.
ولوحظ انّ الوزير وائل ابو فاعور غادر الجلسة بعد ربع ساعة من انعقادها قاصداً كليمنصو، وذلك بعد شيوع تغريدة لجنبلاط قال فيها:
«في فلسطين صفقة قرن وفي لبنان صفقة قرن. هناك ارض وشعب على مشارف المصادرة والتهجير، وهنا اتصالات وكهرباء واملاك بحرية ومصافي نفط وغاز على مشارف القرصنة والتوزيع والتخصيص. هناك صهر وهنا صهر يعبثان بالأخضر واليابس. هناك رئيس يهدّد العالم يميناً وشمالاً، وهنا تسوية القهر والذل والاستسلام».
تبييض صفحة
الى ذلك، قالت مصادر متابعة للقاء الحريري- باسيل انّه يشكّل حاجة مزدوجة: حاجة لرئيس «التيار الوطني الحر» من أجل ان يبيِّض صفحته مع الطائفة السنّية، وحاجة لرئيس الحكومة من أجل ان يفعِّل عمل الحكومة. لكن المشكلة الأساسية أبعد من حاجة الأول والثاني، وتتصل بالتسوية برمتها والحاجة الماسة إلى ترميمها وليس ترميم العلاقة بين الحريري وباسيل، وترميم التسوية يتطلب قراراً يتخذه رئيس الجمهورية بتغيير ممارسة باسيل السياسية، لأنّ الناس فقدت ثقتها بالحكومة نتيجة المواجهات المتنقلة التي يخوضها رئيس «التيار الحر»، والحكومة بدورها غير قادرة على الإنتاج في ظل عدم الاستقرار السياسي الناتج من مواجهات باسيل المتواصلة. والأزمة الأخيرة هي حلقة في سلسلة أزمات. وما لم يتمّ وضع حد نهائي لهذه الأزمات المتمادية فعبثاً الترقيع، فيما يصعب عدم توقّع إنفلات الأمور في لحظة معينة يصعب ضبطها». وأضافت هذه المصادر: «التسوية ليست بخير، والمطلوب تغيير النهج المُتّبع قبل فوات الأوان، لأنّ الأزمة الاقتصادية أكبر مما يتصوره البعض، ويستحيل حلّها على وقع غضب الناس والتوتير المتواصل».
جعجع
وخرق الجو السياسي الداخلي مساء أمس، لقاء في «بيت الوسط» بين الحريري وجعجع. وأكّدت مصادر اطلعت على اجواء هذا اللقاء لـ«الجمهورية»، انه قارب كل الملفات المطروحة، وطوّر جعجع خلاله ما كان قاله نهاراً في مؤتمره الصحافي بعد اجتماع تكتل «الجمهورية القوية».
وحسب هذه المصادر، قال جعجع للحريري، انّه يؤكّد تمسّكه بالتسوية ولكنه يعترض على الممارسة السياسية القائمة تحت هذه التسوية، «الأمر الذي يجب تصويبه سريعاً حرصاً على الاستقرار والانتظام وثقة الناس التي اهتزّت كثيراً، وإنقاذ البلد اقتصادياً ومالياً، لأنّه لا يمكن معالجة الوضع في ظل هذا التوتر القائم والمتمادي».
كذلك أكّد جعجع للحريري، انّه «لا يمكن بناء الدولة، التي تجسّد تطلعات اللبنانيين، في ظل استمرار منطق المحاصصة الذي يضرب كل منطق المؤسسات». وشدّد على «ضرورة إبعاد لبنان عن محاور النزاع في المنطقة والتزام سياسة النأي بالنفس». كذلك جرى خلال اللقاء «عرض عام لكل الملفات التي تبدأ بالمنطقة ولا تنتهي في لبنان» حسب المصادر نفسها.
وكان جعجع نبّه بعد اللقاء إلى أنّ «الأوضاع في المنطقة تتدهور ولا يجوز أن يرمي أحد لبنان في الهاوية»، مشيرًا إلى «أننا توقفنا عند موضوع الموازنة وننسّق مواقفنا مع تيار «المستقبل» إلى أبعد حد». وقال: «تجمعنا بالحريري علاقة طويلة، ومن الثابت بيننا الحفاظ على السيادة الوطنية والنظرة الاستراتيجية». وشدّد على «أنّ الموازنة ليست أرقامًا فقط، وإذا انضربت ثقة المجتمع الدولي بلبنان نخسر «سيدر» وسواه»، معتبرًا «أنّ على الأفرقاء الموجودين في مجلس الوزراء التصرّف بمسؤولية، وحتى اليوم لم نتمكن من إعطاء الإشارات المطلوبة لناحية الإصلاح والثقة بالطبقة السياسية». وختم: «بعض الأفرقاء أدخل بتصريحاته لبنان إلى داخل المعركة، وكان كلام السيد حسن نصرالله واضحاً أنّ «حزب الله» لن يسكت إذا تعرّضت إيران، ولكن ما علاقة لبنان لإدخاله بهذه المعمعة؟ واليوم نتوجّه الى الجهات الرسمية للتحرّك».
مشروع الموازنة
وواصلت لجنة المال النيابية جلساتها أمس لدرس مشروع قانون الموازنة في مقرّ المجلس النيابي. وشبّه رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان الحضور النيابي الكثيف لهذه الجلسات، والذي ناهز نصف عدد نواب المجلس «بالهيئة العامة».
وعن تفاصيل الجلسة، تحدّث كنعان لـ«الجمهورية» عن «انقسام حاد في الرأي حول مجموعة من المواد، أبرزها البنود المتعلّقة بتقاعد العسكريين، وتجميد الإحالة الى التقاعد 3 سنوات، وفرض ضريبة 3% على المتقاعدين». وأكّد «انتظار نتائج المشاورات الجارية بين رئيس الحكومة سعد الحريري ووزيري الدفاع والمال، والصيغة التي سيطرحونها غداَ(اليوم) على اللجنة، للبتّ في هذه البنود».
كذلك تحدّث كنعان عن «بعض البنود «المحرجة»، وتحديداً تلك المتعلّقة بتأمين الايرادات». وكشف عن «احتواء هذه الأزمة عبر الطلب من وزير المال بالتعاون مع وزير الاقتصاد والنواب المعنيين للخروج بصيغة بديلة ترضي الجميع، وتحافظ في المقابل على السقف الذي أمّنته ضريبة الـ 2% على المستوردات».
وعن الآلية التي تتبعها لجنة المال لإنجاز درس مشروع الموازنة، أكّد كنعان أنّهم يعملون «بروحية المحافظة على سقف العجز الذي وصلت اليه الحكومة، مع تعديل بعض الامور الاساسية للوصول الى اصلاح حقيقي وفعلي مطلوب محلياً ودولياً، على أمل أن تعيد هذه الرقابة المتشددة ثقة المستثمر والمجتمعات الدولية بلبنان، بعد أن «شوهت» الحكومات المتعاقبة صورته، وتحوّل رمزاً لعدم الالتزام بتعهداته الاصلاحية».
وعن المدّة المتوقعة لانهاء اللجنة دراسة الموازنة، لفت كنعان الى أنه يطمح لانهائها مع نهاية الشهر الجاري، «فالعمل مستمر صباحا ومساء، لكنّ الأولوية بالنسبة الينا هي اخضاع كل بند من بنود الموازنة للرقابة المتشددة بلا استثناء».
ابو سليمان
ووصف وزير العمل كميل أبو سليمان اللقاء بين الحريري وباسيل «بالنافع»، مؤكّداً انه «انعكس إيجابياً على بنود جدول اعمال جلسة مجلس الوزراء». وقال ابو سليمان لـ«الجمهورية»، إنّ «جلسة مجلس الوزراء تضمنت مناقشة نحو 50 بنداً بطريقة علمية، بعدما مضى زمن على جلسات اقتصر مضمونها فقط على درس مشروع الموازنة».
وعن مشروع قانون إلغاء جميع الإعفاءات الجمركية، قال ابو سليمان: «حظي هذا البند بتأييد جميع الوزراء، لكنّ الخلاف في وجهات النظر تمحور فقط حول طريقة تطبيقه».
وعن النقاش الذي دار بين وزيرة الطاقة ندى البستاني ووزير المال علي حسن خليل حول بند «الطاقة الشمسية»، إنه أيّد طرح البستاني «لأنّه من واجب الدولة الالتزام بالعقود التي وقعتها».
الوفد الروسي
من جهة ثانية، تتبعت القيادات والاوساط السياسية مجريات زيارة المفوض الروسي الخاص الى سوريا ألكسندر لافرنتييف للبنان، التي استهلها بلقاء مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وتمحور الحديث حول الوضع العام في المنطقة عموماً وفي سوريا خصوصاً، وتمّ ّالتركيز على التطورات المتسارعة في الشمال السوري وما يجري على جبهة إدلب.
وأكّد الموفد الروسي، انّه يحمل دعوة للبنان إلى المشاركة في مؤتمر استانا، من ضمن دعوات إلى كل الدول الجارة لسوريا، وعبّر بري عن تأييده مشاركة لبنان في هذا المؤتمر. وتطرّق الحديث إلى موضوع النازحين السوريين مع التشديد على عودتهم السريعة إلى بلادهم، وإذ شدّد الموفد الروسي على المبادرة الروسية لتحقيق هذا الهدف، شدّد بري في المقابل على ضرورة فتح حوار بين لبنان وسوريا حول هذه المسألة، لافتاً إلى أنه يتفق مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حيال هذه المسألة.
وتطرّق الحديث حول التطورات المتسارعة في منطقة الخليج، وكذلك التحضيرات الأميركية لإعلان «صفقة القرن»، وكان الرأي متوافقاً حول رفض هذه الصفقة.
وأفادت مصادر مواكبة لزيارة الوفد الروسي لـ«الجمهورية»، أن «الهدف الاول والاساسي لها هو تحريك ملف عودة النازحين على أساس المبادرة الروسية قبل لقاء القمة المرتقب بين الرئيسين الاميركي والروسي، بعدما تعرقلت الخطة التي تمّ الاتفاق عليها على هامش مؤتمر هلسنكي، والتراجع الاميركي بسبب خلط الاوراق في المنطقة. اما الهدف الثاني فهو استطلاع الأجواء لدعوة لبنان الى حضور مؤتمر «أستانا» كعضو مراقب. وهي المرة الاولى التي توجّه فيها هذه الدعوة له وللأردن والعراق الى حضور المؤتمر الشهر المقبل». ورأت المصادر، «أن خريطة طريق العودة للنازحين هي تمويل حل سياسي وإعادة إعمار وكل ما تمّ الإتفاق عليه بين الدول الكبرى، فتصبح طريق العودة سالكة».
تحذير إسرائيلي
على صعيد آخر، وجّه الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، تحذيراً إلى «حزب الله» من مغبة فرض الأجندة الإيرانية على لبنان، كذلك حذّر الحكومة اللبنانية من «مغبة استخدام الأراضي اللبنانية قاعدة لشن هجمات على إسرائيل».
وقال ريفلين خلال مراسم تأبينية أقيمت أمس على أرواح قتلى حرب لبنان الأولى، «إن إسرائيل لن تقف مكتوفة بل ستتحرّك وستعمل كل ما هو ضروري لضمان أمن مواطنيها».
وكانت صحيفة «هآرتس»، قالت «إنّ مسؤولين من لبنان وإسرائيل يعملون بهدوء على منع نشوء حرب جديدة في الشمال، حيث نجح المبعوث الأميركي ديفيد ساترفيلد، بعد مرور عقد من الجهود الأميركية، في إقناع البلدين بترسيم الحدود البحرية بإشراف الولايات المتحدة.