كان العراقيون يشتكون من الحال المائل في العراق “الديمقراطي” الجديد، ويقولون، سرا أو علانية، إن الديمقراطية والعدالة لن تتحققا في العراق ما دام هناك معمم واحد يجلس تحت قبة البرلمان.
ولكنّ نوابَهم المؤتمنين على حياتهم وحريتهم وكراماتهم وحقوقهم لم يكتفوا بأن يملأوا برلمانهم بالمعممين، سواءٌ الذين يضعون عمائمهم فوق رؤوسهم أو في عقولهم وقلوبهم، بل هم اليوم منشغلون ومنهمكون في إقرار قانون جديد يفرض أن يُضاف أربعة قضاة معممين إلى أعلى هيئة قضائية في الوطن.
والاعتراض ليس على دخول رجل دين إلى هذه المحكمة الخطيرة المهمة في حياة الوطن والمواطنين، بل هو على السماح بدخولها لمعممين فاسدين، أو متواطئين مع فاسدين، أو متسترين على فاسدين، لا من أجل وقف انحرافها وإنقاذها من بعض قضاتها الخوافين المنافقين المزورين الذين أساؤوا إلى سمعتها وحيادها واستقلالها ونزاهة أحكامها، بل لضمها، أخيرا، إلى أملاك دولة الميليشيات، رسميا، باسم الله والوطن، وباسم الشعب العراقي الحزين.
فليس ممكنا ولا جائزا ولا مسموحا لبرلمان يرأسه محمد الحلبوسي ويحكمه هادي العامري ونوري المالكي وقيس الخزعلي ومقتدى الصدر أن يختار أربعةً من رجال دين، شيعة كانوا أو سنة، من الوطنيين الشرفاء والشجعان النزيهين الرافضين للعمالة والخيانة، والمتمردين على وصاية قاسم سليماني وهيمنة سفارة الولي الفقيه.
فمن المؤكد، مئة في المئة، أن يكون الأربعة من وعاظ السلاطين الفاسدين، ومن عظام رقبة العملية السياسية المبرمجة والمحددة والمسيَّرة بعصا قاسم سليماني، وبسلاح وكلائه غير الميامين.
ورويدا رويدا سوف تتحول هذه المحكمة إلى “مجلس تشخيص نظام” آخر، أسوة بما هو قائم في دولة الولي الفقيه. تماما كما حدث في أمر الحشد الشعبي الذي أنشئ، في أول عهده، ليكون المحرر الوطني الشعبي النزيه الذي يطهر الوطن من الدواعش، فقط لا غير، فتحول إلى “حرس ثوري” إيراني آخر في المدن السنية المحررة من داعش، والتي تحتلها ميليشياتُه اليوم، وترفض أن تخرج منها، وتمنع أهلها من العودة إليها.
والشيء بالشيء يذكر. إن المحكمة الاتحادية العليا أخطر وأهم من كل ميليشيا، بل حتى من الحشد الشعبي، بقضه وقضيضه، وذلك لأن من حقها، وحدها، بحكم القانون، مراقبة الدستور وتفسيرُه، ولكنْ حسب المطلوب.
فيا لها من عدالة تلك التي سوف يأكل أهلُنا المنَّ والسلوى على أيدي قضاتها الأربعة وعاظ السلاطين.