وكانت وزارة الدفاع التركية قد تحدثت الخميس عن إصابة ثلاثة من جنودها في هجوم بقذائف هاون على نقاط مراقبة تركية في إدلب، واتهمت الجيش السوري بإطلاقها، الأمر الذي نفاه الجانب الروسي الذي قال إن “إرهابيين” هم من قاموا بذلك وأن قواته ردت بقصف معاقلهم بناء على إحداثيات قدمها لهم الجانب التركي.
وقبلها بأيام تعرضت أيضا إحدى النقاط التركية للقصف، ويقول مراقبون إن ما يحدث قد يتحول إلى مواجهة مباشرة بين أنقرة ودمشق. وأفادت وكالة الأناضول الأحد بأن الجيش التركي أرسل تعزيزات عسكرية إلى نقطة المراقبة العاشرة الواقعة في منطقة جبل الزاوية بريف حماة الشمالي جنوب إدلب.
والجمعة توعد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بالرد على ما وصفه بهجمات “النظام السوري” قائلا في مؤتمر صحافي عقده الجمعة “لن نسكت إن واصل النظام السوري هجماته على نقاط المراقبة التركية في إدلب”.
وأضاف الرئيس التركي “مواصلة النظام السوري الاعتداء على إدلب وقصفها بقنابل الفوسفور جريمة لا تغتفر ولا يمكننا السكوت عليها”.
ومنذ نهاية أبريل، تستهدف الطائرات الحربية السورية والروسية ريف إدلب الجنوبي ومناطق مجاورة له بالتوازي مع تقدم ميداني ترجم في السيطرة على بلدة كفرنبودة وقرى وبلدات محيطة بها، بيد أن الفصائل المسلحة نجحت خلال الأيام الماضية في وقف هذا التقدم عبر تشكيل غرفة عمليات مشتركة تشرف عليها أنقرة التي قدمت أسلحة نوعية للفصائل تتضمن صواريخ تاو وكورنيت.
ولم تعلن موسكو أو دمشق عما إذا كان التصعيد هدفه عملية عسكرية واسعة أم مجرد خطوة للضغط على تركيا للإيفاء بتعهداتها تجاه اتفاق خفض التصعيد الذي تم التوصل إليه في سوتشي بسحب الأسلحة الثقيلة من المسلحين وانسحاب التنظيمات المتطرفة إلى الحدود التركية الأمر الذي لم يتحقق بل إن أنقرة منحت في ديسمبر الماضي الضوء الأخضر لهيئة تحرير الشام للسيطرة على معظم أجزاء محافظة إدلب ومحيطها.
وتراهن تركيا على هيئة تحرير الشام وباقي الفصائل التي تدور في فلكها كأحرار الشام وجيش العزة وغيرها التي تتخذ من إدلب المعقل الرئيسي لها، وتخشى أنقرة من أن يقوض القضاء على تلك التنظيمات استراتيجتها في السيطرة على الشمال السوري، وهو ما يفسر تشبثها المستميت بدعم تلك الفصائل في مواجهة الآلية العسكرية السورية والروسية.
ويشير المحللون إلى أن تركيا أيضا تخشى من أن يفضي تراجعها إلى تأليب الفصائل الجهادية ضدها، وهذا سيشكل خطرا حقيقيا على أمنها كما أنه سيضعضع ثقة باقي التنظيمات التي تراهن عليها في مناطق أخرى تشهد نزاعات مثل ليبيا.
في المقابل فإن روسيا تعتبر أن تلك التنظيمات تهديد دائم يعوق التوصل إلى سلام في هذا البلد، فضلا عن كونه لا يخدم مشروعها في استعادة نظام الرئيس بشار الأسد السيطرة على كامل الأراضي السورية، كما أن استمرار الوضع على حاله في إدلب سيعني تكريسا لوجود منافس (تركيا) غير مرحب به على المدى الطويل.
ويقول محللون إن روسيا تتخذ حاليا من إدلب أولوية في سوريا، وتضع تركيا في موقف صعب بين اختيار حل المعضلة أو ترك الأمر لقواتها وللجيش السوري لحسمها، ويبدو أن أنقرة تفضل سياسة الهروب إلى الأمام وتراهن على قدرة الفصائل في تكبيد القوات الحكومية السورية خسائر ما سيضطر روسيا إلى تقديم تنازلات.
ويعتبر متابعون أن الوضع الإقليمي والدولي لا يخدم تركيا التي تواجه تدهورا مستمرا في علاقاتها مع الولايات المتحدة بسبب صفقة أس400 الروسية، فضلا عن تحد آخر وهو النزاع على حقول غاز ونفط مع أكثر من طرف في شرق المتوسط.
وهدد الرئيس التركي، الجمعة بالرد على أي تحرك ضد السفن التركية شرق المتوسط قائلا خلال مشاركته في اجتماع للجمعية العامة لمجلس المصدرين الأتراك في إسطنبول، الأحد، “ليعلم من يحاول القيام بأي حركة في شرق المتوسط، تجاه سفننا، أننا موجودون هناك بقواتنا البحرية والجوية، ونعمل على حمايتها”.
وأضاف “يقولون (المسؤولون في جمهورية قبرص) إنهم أصدروا تعليمات لاعتقال طواقم السفن التركية شرق المتوسط.. لن تنالوا مرادكم!”.
وأعلنت تركيا، في الـ4 من مايو الماضي، بدء أعمال التنقيب عن الغاز في منطقة من مياه البحر الأبيض المتوسط، تعتبر جزءا من المنطقة الاقتصادية الخاصة بجمهورية قبرص.
ويذهب البعض إلى أن تصعيد تركيا في شرق المتوسط قد يكون الهدف منه هو حرف رأي العام الداخلي عن مأزق إدلب.
ويقول مراقبون إن الضغوط التي تواجه النظام التركي مع أكثر من طرف ستضعف من موقفه أكثر بالنسبة لإدلب، وبالتالي فإنه قد يجد نفسه مضطرا إلى التنازل خاصة إذا ما ترجم اللقاء الأميركي الروسي المنتظر في القدس موفى هذا الشهر عن خطة تعاون بين الجانبين في سوريا (رغم كل الخلافات بينهما).