تسارع التطورات الأمنية الأخيرة، في منطقة الخليج العربي، استحوذت على اهتمامات ومتابعات المسؤولين السياسيين والعسكريين والأمنيين، وحتى رجال الاقتصاد والمال، وذلك ارتباطاً بخطورة ما يحصل، على مستوى الاقليم وما يمكن ان يتركه ذلك من تداعيات عابرة لحدود الدول، لن يكون لبنان بمنأى عنها وعلى المستويات كافة.
ولهذا وعلى وقع قرع طبول الحرب في منطقة الخليج، تلقى لبنان تحذيرات أميركية ودولية من تداعيات أي قرار قد يتخذه حزب الله بفتح جبهة الجنوب، في حال اندلاع مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وإيران، لأن ذلك سيترك انعكاسات بالغة الخطورة على لبنان على كافة الأصعدة.
وشددت التحذيرات على ضرورة أن يتمسك لبنان بسياسة النأي بالنفس وعدم استخدامه من جانب حزب الله أو غيره، كصندوق بريد في الصراع الإقليمي القائم، أو كساحة مواجهة إذا تطور الوضع في الخليج إلى نشوب حرب أميركية- إيرانية.
يتفق الجميع، على تنوع قراءاتهم والتزاماتهم، على ان ما جرى في خليج عمان، يحمل الكثير من العبر والدروس، وان لم يكن مفاجئاً لكثيرين. ولا يتردد المتابعون عن كثب في دعوة المعنيين كافة الى تحكيم العقل واعتماد التروي والهدوء وتجنب الحسابات الخاطئة والعمل بجد لعدم اقحام لبنان في ما يجري، فلديه ما يكفيه، وهو لايزال يدور في حلقات مفرغة، حول العديد من الملفات والقضايا والاستحقاقات الضاغطة والداهمة، ابتداءً من مسألة ترسيم الحدود البحرية والبرية مع فلسطين المحتلة، تماماً كما مع سوريا، إلى صياغة استراتيجية دفاعية تعيد الاعتبار للمؤسسات الشرعية، السياسية والعسكرية والأمنية، وتحصر بها الحق في قرارات الحرب والسلم وتنزع السلاح غير الشرعي. ناهيك عن مسألة الموازنة، التي تراوغ وهي في رأي البعض اكبر وأهم ملف مالي في الدولة اللبنانية.
الأنظار تتجه الى الأسبوع المقبل، والجميع ينتظر ترجمة الاقوال الى أفعال، وتعزيز التفاهمات السياسية وتنفيذ الوعود التي رافقت ونتجت عن لقاء الرئيسين العماد ميشال عون وسعد الحريري، من خلال جلسة لمجلس الوزراء تقرر ان تكون في السراي الحكومي يوم الثلاثاء المقبل.
وهي جلسة قد تكون حافلة بالملفات الدقيقة والبالغة الأهمية، ليس من بينها ملف التعيينات في مراكز ادارية وقضائية، وملء الشغور في 43 مركزاً من الفئة الأولى، وذلك بانتظار استكمال الاتصالات والمشاورات.
المعلومات تؤكد ان التفاهم بين الرئيسين عون والحريري عابر لحدود العوائق، ولم يأت من فراغ، بل هو نابع من حس المسؤولية.
إقرأ أيضًا: التشاؤل محل التفاؤل في ملف الترسيم وشنكر محل ساترفيلد
تفاهم وضع مسألة ادارة الدولة على الطريق الصحيح. وقد بدأ الرئيس الحريري سلسلة اتصالات بعيدة عن الأضواء، بهدف توسيع دائرة التوافقات على جملة أمور واستحقاقات، من بينها التعيينات، وخلص إلى أن لا مشكلة لدى الفريق السني. ولا مشكلة لدى الفريق الشيعي، بل هي في ملعب الثنائي المسيحي، التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية التي راحت بعيداً في ارسال اشارات محذرة من ان يكون التيار يتطلع الى الاستفراد بهذه التعيينات.
ينصح الرئيس الحريري الجميع بتجنب الدخول في مثل هذه البازارات وهو يتطلع إلى انجاح وتعزيز التسوية الرئاسية بكل مضامينها، السياسية والادارية والاقتصادية والمالية والاجتماعية.
وتأسيساً على ذلك فإن البعض يرتقب عودة وزير الخارجية جبران باسيل من الخارج، حيث من المرتقب حصول لقاء مع الرئيس الحريري، ليبنى على الشيء مقتضاه. خصوصاً على ضوء توتر جديد في العلاقة بين المستقبل ووزير الخارجية جبران باسيل عبّرت عنه مقدّمة أخبار تلفزيون المستقبل في النشرة المسائية ليوم السبت.
وجاء فيها ما يلي:
إن أحداً لا يجادل الوزير جبران باسيل في مواقفه السياسية، طالما هي تعبر عن موقفه الشخصي وعن موقف التيار الوطني الحر الذي يقف على رأسه.
لكن من حق اي لبناني ان يتوقف عند مواقف الوزير باسيل، عندما يلجأ الى الخلط بين موقعه كوزيرٍ للخارجية وبين موقعه كرئيسٍ لتيار سياسي.
هذا الخلطُ هو لبُ المشكلة وهو الذي يستدعي مجادلتهَ في معظم ما يقول.
الوزير باسيل لا يمكنه ان يتحدث مع الحكومة ومع وزارة الداخلية ومع المجتمع الدولي، وان يدلي بدلوه في ازمات النزوح السوري والفلسطيني بالطريقة الفجة التي يعبر عنها، متكئًا على منصبه الرسمي الذي من المفترض ان يتحدث منه باسم الدولة وان يعبر عن مواقف الحكومة لا عن مواقف التيار الوطني الحر.
الخلط بين موقف الدولة والحكومة وبين مواقف الاحزاب والتيارات، يجعل من الدولة دولةَ كل من ايدو الو ولبنان دولةٌ لجميع اللبنانيين ، وليست لحزبٍ وطائفة وتيار.
المنطقة عموماً تواجه صعوبات دقيقة وخطيرة في العديد من جوانبها.. ولا يملك الرؤساء عون وبري والحريري سوى تأكيد الدعوة للالتزام بسياسة النأي بالنفس قولاً وفعلاً، وفق ما ورد في البيان الوزاري للحكومة الحالية.
وقد نقل زوار القصر الجمهوري عن الرئيس العماد عون قوله: ان استقلالية لبنان وعدم تبعيته لأي محور، أمر ضروري، تماماً كما ان هويته العربية أساس في مقاربة علاقاته مع الأشقاء العرب.