أخطر ما في المشهد اللبناني: انشغالات جزئية بين تيارات واحزاب على خلفية لمن الكلمة، في القضاء أو المحافظة، واهتمامات أبرزها ملف استئناف مناقشة مواد الموازنة في لجنة المال النيابية، في وقت ينتظر لبنان تحركات دبلوماسية على وقع التسخين الحاصل في ملف التهديدات الأميركية - الإيرانية.
ولم تستبعد مصادر مطلعة عقد لقاء بين الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل، مشيرة إلى إمكان طرح تعيين نواب حاكم مصرف لبنان من خارج جدول الأعمال.
الموازنة ومجلس الوزراء
وفيما تأكد ان مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى قرّر تأجيل زيارته التي كانت مقررة إلى لبنان اليوم، لاجراء المزيد من المحادثات مع الجانب الإسرائيلي في ملف ترسيم الحدود، بما يُؤكّد معلومات «اللواء» بالنسبة للتعقيدات التي طرأت على الملف، يكاد يكون الأسبوع الطالع محصوراً بإعادة النقاشات في الملفات الأساسية، أي الموازنة، حيث تعاود لجنة المال والموازنة اليوم درس بنود مشروع موازنة العام 2019، ومجلس الوزراء الذي يعاود أيضاً اجتماعاته غداً بعد توقف شهر، من دون ان يكون ملف التعيينات على طاولته، ربما لأن هذا الملف ما يزال يحتاج إلى المزيد من الدرس والتمحيص فيما إذا كان يجب البدء بالمراكز الأكثر إلحاحاً، أو ان تتم كل التعيينات دفعة واحدة، وهو الأمر الذي يفترض ان يتقرر في اجتماع الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، في حال تقرر عقد جلسة ثانية لمجلس الوزراء في بعبدا الخميس المقبل.
وبحسب المعلومات، فإن اجتماعاً سيعقد في الساعات المقبلة بين الرئيس الحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، يفترض به ان يحسم كل الأمور التي كانت موضع خلاف بين الجانبين في الأسابيع الماضية، ويعيد تصويب النقاش السياسي في الملفات الخلافية، ويضع النقاط على الحروف، في ضوء المواقف الأخيرة سواء من قبل الرئيس الحريري، أو من قبل الوزير باسيل، والذي ما يزال يُطلق المواقف المثيرة للجدل، وكان آخرها ملف النازحين السوريين، والذي قوبل بردود فعل من قبل تيّار «المستقبل» ومن الحزب التقدمي الاشتراكي، في حين وصف النائب القواتي عماد واكيم باسيل «بالفتنة المتنقلة».
وتوقعت مصادر المعلومات ان يعقد هذا الاجتماع بين الحليفين اللدودين، قبل مجلس الوزراء غداً، تلافياً لإثارة الملفات الخلافية داخله، وان كانت وزيرة الداخلية والبلديات ريّا الحسن اعتبرت في بيان ان مجلس الوزراء هو المكان الصالح لمعالجة أزمة النزوح السوري، وهو الموقف نفسه الذي يراه الرئيس الحريري، لكنه، وفقاً لمصادر في «بيت الوسط» ما زال يعتقد ان الوزير باسيل «يشاغب» على الحكومة، من خلال إطلاق مواقف تزيد الأمور تعقيداً، والتي لا هدف لها سوى كسب المزيد من التأييد في صفوف جماعته، والتي يعتقد ان فيها مصلحة وطنية، بينما الواقع والمصلحة اللبنانية الحقيقية تحتم على الجميع رص الصفوف والتضامن بين مكونات الحكومة، للعودة إلى العمل والانتاج بعيداً من المناكفات والمماحكات وإثارة الخلافات، وهذا لا يتوفر الا من خلال العودة إلى التهدئة والتوقف عن إثارة الغرائز الطائفية والحزبية الضيقة.
وفد روسي في بيروت
ولا تستبعد مصادر «بيت الوسط» ان يطلب الرئيس الحريري من الوزير باسيل ان يستعجل وزيره لشؤون النازحين السوريين صالح الغريب لتقديم خطته لعودة النازحين إلى سوريا، إذا كانت لديه خطة فعلية لهذه الأزمة، بدلاً من طرح الموضوع في المنتديات السياسية، لأغراض حزبية وشخصية، بحسب ما فعل التيار حيث طرح عنوان «دور البلديات في حل أزمة النزوح» لمؤتمر البلديات الثالث بقصد الاستنجاد بالبلدات لتقوم مقام الدولة والحوكمة اللذين اتهمهما باسيل بانهما في موقع المقصر في القيام بواجباتهما حيال هذه الأزمة منذ العام 2011، علماً ان وفداً روسياً رفيع المستوى سيصل إلى بيروت اليوم في مهمة متشعبة الأهداف يتصدرها موضوع النازحين وفق المبادرة التي طرحتها موسكو في الأشهر الأخيرة.
ووصف باسيل كل من يصفه بالعنصري حين يتحدث عن عودة السوريين إلى بلدهم بأنه اما مستفيد أو متآمر، لافتاً إلى ان هذا المتآمر والذي لم يسمه، ظهر في العام 2011 واليوم يغطي منع عودة النازحين لصالح الأجانب، علماً ان «التيار الحر» كان لديه عشرة وزراء في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الثانية في ذلك الحين.
وبطبيعة الحال، اثار توريط باسيل للبلديات في أزمة النزوح حفيظة وزيرة الداخلية والبلديات ريّا الحسن، التي ردّت عليه، من دون ان تُشير إليه بالاسم، بأن مجلس الوزراء هو المكان المناسب والمرجع الصالح لمعالجة أزمة النزوح السوري ووضع استراتيجية متكاملة تأخذ في الاعتبار القرارات التي سبق للمجلس الأعلى للدفاع ان اتخذها والخطوات اللازمة لوضعها موضع التنفيذ، لا سيما لجهة تحديد دور البلديات في معالجة هذه الأزمة.
ولفت بيان الحسن، إلى ان هناك إجماعاً وطنياً يُؤكّد ضرورة اقفال المحال غير الشرعية وعدم التسامح مع السوريين الذين يمارسون أي عمل على الأراضي اللبنانية قبل الاستحصال على الاجازات اللازمة، الا انه لا يجوز تناول هذا الموضوع بخلفية فئوية وشعبوية ولاغراض حزبية وشخصية، مشدداً على أن وزارة الداخلية هي الوزارة المعنية بانتظام عمل البلديات والحفاظ على النظام العام ضمن نطاق كل منها.
ردّ اشتراكي وكتائبي
كذلك ردّ رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط على إقحام مؤتمر البلديات في أزمة النزوح السوري، سائلاً عمّا إذا كان هذا مؤتمر للتحدث عن الإنماء المتوازن وأزمة النفايات القادمة أم هو مؤتمر العنصرية والاحقاد الدفينة والشتائم للحزب الحاكم؟ لكنه علق قائلاً: «نحن لا نلومهم فهذه فلسفتهم، ولكن ما هو موقف الشريك في التسوية وفي الحكم؟ في إشارة إلى الرئيس الحريري.
على ان موضوع باسيل، الذي جال أمس في منطقتي بشري والبترون، لم يغب من جولة رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل في منطقة الشوف حيث افتتح مركزاً للحزب في بلدة الرميلة، إذ رأى، بعد لقاء عقده في المختارة مع النائب تيمور جنبلاط وأعضاء «اللقاء الديمقراطي» ان المشكلة ليست في جبران باسيل، إنما ممن هم وراءه الذي يُقرّر مستقبل البلد، مصوباً على التسوية السياسية التي جاءت بالرئيس ميشال عون رئيساً للجمهورية، مشيراً إلى ان هذه التسوية من وجهة نظره وضعت يدها على البلد، وهي مبنية على المحاصصة، لا تستطيع بناء دولة القانون.
لجنة المال
في غضون ذلك، تعود لجنة المال والموازنة اليوم إلى الانعقاد، وسط كلام عن كباش نيابي حكومي حول البنود الضريبية في مشروع الموازنة وتحديداً حول نسبة 2 في المئة على الاستيراد التي يعارضها بشدة نواب «حزب الله» وسلفة الكهرباء واكتتاب المصارف بسندات خزينة بالليرة اللبنانية بقيمة 11 ألف مليار بفائدة 1 في المائة والتي اتضح انها غير اكيدة حتى الساعة.
وقال رئيس اللجنة النائب إبراهيم كنعان لـ«اللواء» انه بعد تجربة الأسبوع الأوّل في مناقشة مشروع الموازنة يستطيع التأكيد بأنه باتت هناك قناعة راسخة لدى نواب من مختلف الكتلّ بأهمية الدور الرقابي والاصلاحي الذي نقوم به وقد عزّز هذه القناعة ما شهدناه من تشكيك محلي ودولي بأرقام المشروع كما أحيل لنا من الحكومة بالأضافة الى الهجوم الاستباقي الذي تعرضت له لجنة المال والموازنة في عملها من بعض من هم في السلطة والمعارضة على حدّ سواء».
اضاف «وفي هذا الاطار، لا بدّ من الاشارة الى التعاون الحاصل مع وزارة المالية بشخص الوزير علي خليل ومتابعة ودعم رئيس المجلس النيابي نبيه بري بالاضافة الى نواب من كل الكتلّ الذين يشعرون بالمسؤولية الكبرى الملقاة على عاتقهم في هذه المرحلة».
واكد كنعان ان «التعاون مع «كتلة المستقبل» قائم، ونعول على التوجه الذي عبر عنه رئيس الحكومة سعد الحريري، ونعتبر ان احدى عناصره الأساسية هي الرقابة البرلمانية التي نقوم بها.
وتوقع كنعان ان يكون «هذا الاسبوع حاسماً في انجاز المواد القانونية التي تناهز المئة مادة، وجزء أساسي من الاعتمادات الملحوظة للوزارات والادارات. وقال ان هناك توجها جدياً لتخفيض بعض النفقات التي كانت اللجنة أوصت سابقاً باخضاعها للتدقيق والتخفيض، ولكن الحكومة لم تتمكن من تحقيقها».
وتوقعت مصادر نيابية ان يخوض حزب الله معركة إسقاط بند ضريبة الـ2 في المئة على البضائع المستوردة، مع تأمين بدائل لايراداتها. في وقت ستقف وزيرة الطاقة ندى البستاني لتشرح للنواب قبل الإفراج عن بند الكهرباء إصلاحات القطاع وأبرزها تعيين أعضاء مجلس إدارة مؤسسة الكهرباء والهيئة الناظمة وآلية المناقصات.
اما موضوع اكتتاب المصارف للسندات، فإن المصارف تربطه بضرورة خروج الموازنة من لجنة المال والهيئة العامة باصلاحات ملموسة تريح الأسواق المالية، فتنخفض قيمة الفوائد في السوق، فإن المصارف كما تقول، غير معنية بالاكتتاب.
إضراب الأساتذة
في هذا الوقت، يفترض ان تتظهر من اليوم وحتى يوم الخميس المقبل، صورة مصير أكثر من 80 ألف طالب في الجامعة اللبنانية، الذين باتوا، منذ اكثر من شهر، رهينة صراع خفيّ داخل أروقة ومباني الجامعة، لم تتبلور صورته حتى الساعة، وان كانت كل المؤشرات تعيد إلى الأذهان صورة الصراع على رابطة الأساتذة الثانويين والذي أنتهى في العام الماضي لمصلحة أحزاب السلطة.
إذ لم تكد الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، تعلن السبت تعليق الإضراب الذي كانت بدأته قبل أكثر من شهر، بناء على الاتفاق الذي تمّ التوصّل إليه في اجتماع المالية الخميس الماضي، حتى سارع مئات من أساتذة الجامعة، إلى التجمع امام مقر الرابطة، هاتفين بالعودة إلى الهيئة العامة لمناقشة مصير الإضراب، على اعتبار ان الهيئة العامة هيالتي خولت الرابطة بالإضراب المفتوح، واشترطت عليها العودة إليها قبل فكه، ووقع هؤلاء عريضة من 180 توقيعاً ترفض فك الإضراب، مدعومين بجرعة طلابية من تكتل طلاب الجامعة والأندية المستقلة الذين كانوا يتحضرون إلى تنفيذ اعتصام مفتوح اليوم في ساحة رياض الصلح.
الا ان هتافات مئات الأساتذة والطلاب لم تثن الرابطة عن قرارها تعليق الإضراب المفتوح، الا انه جعلها ترجئ تعليق الإضراب إلى الخميس المقبل، حيث يفترض ان تنعقد جمعيات عمومية الهيئة العامة للتصويت على تعليق الإضراب أو الاستمرار فيه، في حال جاء قرار لجنة المندوبين اليوم سلبياً، بمعنى رفض قرار الهيئة التنفيذية للرابطة.
مهمة ساترفيلد
من جهة ثانية، علمت «اللواء» من مصادر رسمية متعددة متابعة لمهمة مساعد وزير الخارجية الاميركية للشرق الادنى ديفيد ساترفيلد انه اجّل زيارة لبنان التي كانت مرتقبة اليوم الاثنين الى موعد لاحق لإجراء مزيد من الاتصالات مع مسؤولي الكيان الاسرائيلي لم تعرف طبيعتها بدقة لكنها تتعلق بأمور لوجستية وتقنية وبكيفية صياغة الافكار والمقترحات التي يتقدم بها الجانبان.
واوضحت المصادر ان لا تعقيدات بالمعنى الحرفي للكلمة امام مهمة ساترفيلد، وخاصة حول موضوعي مهلة المفاوضات وتزامن تحديد الحدود البحرية والبرية، لكن الامور بحاجة الى اتفاق على صياغة بنود المفاوضات قبل ان تبدأ.لكن ثمة معلومات غير مؤكدة وغير رسمية تفيد ان العدو الاسرائيلي لا زال يرفض الرعاية الدولية للمفاوضات ويريد الاكتفاء بالرعاية الاميركية وهذا ما يرفض لبنان القبول به.