كانت إيران قد تبنّت مبدأ الحرب الدائمة. فهي عن طريق مشروعها في تصدير ثورتها إنما ترمي بنفسها في أزمات، ما كان متوقعا أن تواجهها لو أنها وضعت ثروتها في خدمة مشاريع تنموية وطنية، لا تزال الشعوب الإيرانية تحلم بها من أجل أن تستعيد صورتها في مرآة العالم.
المشكلة أن حرب إيران وفق نظرية الولي الفقيه لا تستثني أحدا في العالم. فهي على سبيل المثال ضد إسرائيل، غير أنها ضد العرب أيضا وهم أعداء إسرائيل. والمسافة ما بين إسرائيل والدول العربية لا يمكن اختزالها عن طريق الكلام المرتجل والمرسل.
وهي ترمي إلى تحرير القدس، فيما يؤكد الواقع أن سياساتها أدت إلى احتلال بغداد وبيروت وصنعاء. كما أنها يسّرت للإيرانيين أن يقيموا مستعمراتهم في محيط دمشق بأسلوب يسلّم سوريا إلى مستقبل طائفي لم تعرفه من قبل.
وعلى المستوى ذاته لا يمكن استيعاب فكرة أن تكون حرب إيران موجهة ضد الولايات المتحدة. كيف يمكن أن تنتصر إيران على الولايات المحتدة، الدولة الأعظم بتقنياتها العسكرية؟
إيران نفسها لا تؤمن بما يسوّقه أتباعها من أكاذيب “إيمانية”. فالغلبة اليوم في الحرب لمَن يملك تقنيات حربية متفوقة. وإيران وإن كانت قد أهدرت كل ثرواتها في سباق التسلح، فإنها دولة متخلفة قياسا بالولايات المتحدة. سيكون من الظلم أن نقارن بين الطرفين.
لم يكن النظام الإيراني منصفا مع شعبه حين حرمه من ثروته من أجل رهان خاسر ولا معنى له. فما قيمة أن تُقام دولة شيعية في لبنان مقابل أن تعيش الشعوب الإيرانية وضعا اقتصاديا رثا؟
إيران في حقيقة ما فعلته لم تصدّر إلا الرثاثة. ما من أحد من أتباع إيران، السيد حسن نصرالله شخصيا، في إمكانه أن يقدم دليلا واحدا على أن الجمهورية الإسلامية قد قدمت لمستعمراتها شيئا يقع خارج تمارين الحرب.
“هل خُلق الإنسان ليحارب السيد نصرالله؟”
لقد حوّل الرجل، تنفيذا لتعليمات الولي الفقيه، مجتمع الشيعة في لبنان إلى مجموعة من الرعاة المتخلفين الذين إن تفوق عدد من أبنائهم في المجال العلمي فإنهم يضعون خبراتهم في خدمة صناعة الصواريخ والقنابل والمتفجرات. وهو ما سبقه نظام آيات الله إليه حين وضع العلم في خدمة مشروعه التسليحي.
لم يكن شعار المقاومة إلا ذريعة. فمثلما كان النظام الإيراني قد وضع القدس في يومها السنوي في متناول الجماهير، فيما كان حرسه الثوري يحتل بغداد من خلال ميليشيات أجيرة، فإن حزب الله كان يستعرض قوته من أجل تحرير القدس وعينه على بيروت التي نجح أخيرا في الاستيلاء على نظامها السياسي بعد خلخلته.
يُمني البعض نفسه بأن تنتصر إيران ومن خلال السيد على المخطط الأميركي الذي يهدف إلى ردع إيران، ومن ثم حرمان حزب الله من حصته من أموال الشعوب الإيرانية. وهي أمنية تجعلنا في مواجهة سؤال مصيري حائر هو “ما الذي يحدث لو انتصر السيد علينا نهائيا”؟
من المؤكد أن المحاولة الأميركية هي خشبة الخلاص الأخيرة بالنسبة للمنطقة، إن فشلت فإن المنطقة سيكون محكوما عليها أن تغرق في ظلام إيراني قد يمتد إلى قرون.
سيكون السيد حينها حرا في توسيع مشروعه من أجل أن يكون لبنان حسينية كبيرة محاطة بالصواريخ. ستكون هناك حرب قائمة غير أنها لا تحضر إلا في الأناشيد والأدعية والخطابات والمسيرات. ستظل حرب السيد على إسرائيل حاضرة من أجل إذلال اللبنانيين والهيمنة عليهم.
لقد ابتكر الخميني فكرة تصدير الثورة من أجل أن تكون هناك حرب دائمة، يتمكن من خلالها السيد وأشباهه من تقييد المجتمع بشروطه. فلا حياة إلا تلك المنذورة للموت.
حين ينتصر السيد علينا لن يكون هناك معنى للحياة في المنطقة. فالسيد هو العدم في أعظم تجلياته.