قد تكون أفضل طريقة لخفض العجز المالي، زيادة الضرائب وخفض الإنفاق الحكومي. لكن المشكلة انّ ذلك يمكن ان يؤدي الى سياسة مالية متشدّدة تساعد في تدني النمو الاقتصادي، ما قد يتسبّب في ارتفاع العجز الدوري للحكومة، لاسيما انّ العائدات الضريبية سوف تقلّ مع الكساد.
هناك سياسات مختلفة لتقليل عجز الموازنة قد يكون أهمها:
 
1- خفض الإنفاق الحكومي:
من خلاله، تستطيع الحكومة خفض الإنفاق العام والتقليل من عجزها المالي على سبيل المثال. في التسعينيات خفّضت كندا إنفاقها الحكومي العام بشكل كبير، حيث قيّموا العديد من الإدارات المختلفة ووضعوا خطة خفض إنفاق عام بنسبة 20 بالمائة ولمدة 4 سنوات. وقد اثبتت هذه السياسة نجاحها في خفض العجز في الموازنة. وخلال تلك الفترة من خفض الإنفاق استمر نمو الاقتصاد الكندي، ما ساعد ايضاً في خفض إضافي في عجز الموازنة. ورغم ذلك، وخلال تلك الفترة، استفاد الكنديون من انخفاض أسعار الفوائد، الامر الذي أدّى حتماً الى زيادة الإنفاق وارتفاع الصادرات الى الولايات المتحدة، وضعف سعر الصرف.
 
بالمختصر، يساعد الاقتصاد القوي حتماً في خفض الإنفاق الحكومي. هذا لا يعني انّ خبرة الدول متساوية، وانّه يجب التعميم في هذا الموضوع. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فانّ المملكة المتحدة وفي العام 1920 لم تستطع خفض العجز رغم خفض الإنفاق الحكومي بشكل جذري والمعروف بـGeddes axe وبقيت على هذه الحال عقدين من الزمن.
 
وفي الاتحاد الاوروبي، سعت دول الى خفض الإنفاق الحكومي، في محاولة لخفض العجز في موازنتها، وعلى سبيل المثال اليونان واسبانيا وايرلندا، اتبّعت هذه السياسة، الأمر الذي أدّى الى تردّي الوضع الاقتصادي وانخفاض الايرادات الضريبية وارتفاع الديون الى الناتج المحلي. هذه التخفيضات كانت أقل فعالية في خفض العجز في الميزانية، لاسيما وانّ هذه الدول لا يمكنها ان تتلاعب بسعر الصرف، الامر الذي ادّى الى عدم فعالية وجدوى خفض الإنفاق.
 
لذلك، قد تكون كما سبق وذكرنا، وضعية الدول مهمة، كذلك اي نوع من التخفيضات تشمل هذه العملية واثرها على عملية العرض والطلب في الاقتصاد. لذلك، قد يُغري الحكومات خفض الإعانات والمعاشات، وهذا يؤدي الى خفض الإنفاق مع تأثير اقل على النمو الاقتصادي، ولكنه سوف يكون على حساب زيادة عدم المساواة في المجتمع.
 
المشكلة مع موازنة الحكومة اللبنانية ومحاولتها خفض العجز، هي انّهم اقتطعوا من الامور الأساسية للشعب، وتركوا بنوداً مهمة، لاسيما المساعدات للجمعيات غير الموجودة اصلاً وما يسمّى الاستراحات واملاك الدولة المؤجّرة ومخصصات فئات معينة من الشعب، خصوصاً النواب والوزراء. وقد تغاضت عن الهدر الأهم، والذي قد يساعد في تخفيف العجز، وبشكل جذري لسنا بحاجة معه للسنوات الأربع، التي عادة ما تضعها الدول كمخطط لتخفيض العجز في موازنتها.
 
2- زيادة الضرائب:
هذا يعني اولاً، زيادة في ايرادات الدولة، مما يساعد في خفض العجز في الميزانية، ولكنها تؤدي الى انخفاض النمو الاقتصادي - والامر يتوقف على توقيت زيادة الضرائب، لاسيما انّه في حالة الركود، أي زيادة ضريبية يمكن ان تتسبّب في حدوث انخفاض في الانفاق، كما يتوقف على نوع الزيادة المفروضة.
 
في الآونة الأخيرة، زادت فرنسا الضرائب على الأغنياء الى اكثر من 70 بالمائة، وهي نسبة مرتفعه جدًا أدّت الى تعرقل العمل في فرنسا. وفي هكذا حال، واذا ما كانت الارتفاعات الضريبية تقلّل من حوافز العمل، فقد تكون عائدات الضرائب أقل بكثير مما هو متوقع.
 
3- النمو الاقتصادي:
أحد افضل الطرق لخفض العجز في الموازنة، كنسبة مئوية من الناتج المحلي الاجمالي، قد تكون في تعزيز النمو الاقتصادي. ومع النمو، يدفع الشعب مزيداً من الضريبة على القيمة المضافة ومزيداً من ضريبة الدخل. وهذه العملية هي الاقل إيلاماً الا انّها تحتاج الى خطة محكمة تمتد على فترة 4 او 5 سنوات.
 
على سبيل المثال لا الحصر، فانّ انكلترا، وخلال فترة من النمو الاقتصادي المرتفع في الثمانينات خُفّض العجز في موازنة المملكة المتحدة، بالرغم من التخفيضات الضريبية. وفي فتره الانكماش في العام 1991 ارتفع العجز في الموازنة بشكل حاد، وهذا يدلّ الى الطابع الدوري للموازنة واهمية النمو الاقتصادي في خفض العجز. وفي العام 2010 ومع تولّي المحافظين، تراجع الإنفاق الحكومي بشكل كبير بهدف تخفيف العجز وبنسبة كبيرة من الناتج المحلي، إلّا انّ العجز في الميزانية انخفض اكثر مما كان متوقعاً، وقد تكون اسبابه انخفاض معدل النمو الاقتصادي العالمي، وتزايد الطلب على الانفاق على الضمان الاجتماعي وتزايد الانفاق على معاشات الشيخوخة.
 
لذلك، في غياب خطة موحدة لتفعيل النمو الاقتصادي وتحفيزه، قد تجد الحكومات نفسها امام مزيج من السياسات. ويبقى العامل الرئيسي هو توقيت تخفيض العجز. واذا كان البلد فعلاً في ركود، فمن العسير جداً خفض العجز المالي، الامر الذي يؤدي الى بعض حالات التقشف.
 
انما يبقى النمو الاقتصادي الإيجابي افضل الحلول على المدى الطويل، وتقييم التزامات الانفاق الحكومية والحد من الانفاق الى مستويات يمكن تحمّلها. ولا بدّ من الإشارة في هذا المنحى الى استجابة الاستثمار الخاص لهذين النوعين من التقشف، وهو ايجابي نحو خطط زيادة الانفاق، وسلبي نحو الخطة القائمة على الضرائب وثقة الاعمال تتعاطى بايجابية مع الاستثمار الخاص .
 
ويبقى الاهم من كل ذلك، هذا الاختلاف في السياسات وسلوك السياسة النقدية واسعار الصرف، المسؤولة والى حد كبير عن آثار مختلفة مرتبطة بالضرائب والإنفاق. وبالمختصر، فإنّ الدراسات وخبرات الدول كثيرة، ويمكن الاستنتاج منها والاستفادة. لكن، وعلى ما يبدو أضعنا الوقت في خطة آنية لم تركّز على الإنفاق بشكل خاص، وجاءت غير واضحة على الضرائب وتهرّبت من الهدر والفساد بشكل جعلها غير واضحه ومقنعة. وسوف نعود في السنه المقبلة الى المشكلة نفسها، ونعتمد الطرق غير العلمية نفسها، بل العشوائية.