التحذيرات التي سبق لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون لإيران بالرد على أي هجمات تشنها على القوات الأميركية في الشرق الأوسط أو في منطقة الخليج العربي، سواء كانت مباشرة أم بالواسطة، يبدو أن طهران فهمتها على أنها لا تشمل حلفاء أميركا.
فبموازاة مواصلة المرشد علي خامنئي والرئيس حسن روحاني الإعلان عن أن لا تفاوض مع واشنطن، على الأقل في هذه المرحلة، وآخر هذه الإعلانات ما قاله خامنئي لرئيس الوزراء الياباني شينزو آبي أمس في طهران، تجري الحرب بالواسطة حتى لو كانت لا تستهدف مباشرة المصالح أو المراكز الأميركية المنتشرة في الخليج وفي سائر دول المنطقة.
واشنطن تحركت لإطلاق إنذار قوي لطهران حين لمست أن الميليشيات الحليفة لإيران نصبت صواريخ في العراق ووجهتها نحو قواعد أميركية في بلاد الرافدين، فانتقل بومبيو إلى بغداد في زيارة خاطفة في 8 أيار (مايو) الماضي للتحذير من استهداف تلك القواعد. وما فهمه الجانب الإيراني من التحذير الأميركي الشديد اللهجة حيال إمكان استهداف تلك القواعد بالواسطة، هو أن استخدام ميليشيات حليفة لقصف الأميركيين أو للمس بأمن الوجود الأميركي العسكري أو حتى المدني هو الأمر المحظور والذي قد يستدرج ردا قويا وربما يكون مباشرا ضد إيران نفسها. طهران استوعبت الرسالة جيدا كعادتها وكما في كل مرة تتلقى رسائل من هذا النوع، يكون الجواب لناقلها "أننا ندرك أن لا تكافؤ بيننا وبين أميركا في المواجهة ولن ندخل في مغامرة من هذا النوع". لكنها ترى أن اعتماد "الحرب بالواسطة" عبر استخدام ميليشيات حليفة لإيران من أجل المس بأمن قوى أو دول حليفة لواشنطن شيء مختلف.
لم تكذب الأحداث هذا الاستنتاج. بعد أربعة أيام من تحذير بومبيو استُهدفت ناقلات النفط الأربع قبالة شاطئ الفجيرة في الإمارات، وقصفت طائرة مسيرة محملة بالمتفجرات، أنابيب نقل النفط في محيط الرياض في السعودية، في منعطف خطر يمس عمليات نقل وسائل الطاقة، في وقت كانت العين على إمكان قيام طهران بعرقلة عمليات النقل في باب المندب أو غيره من الممرات المائية. وفي الحالتين اتهمت الرياض إيران بالوقوف وراء الهجومين بنتيجة التحقيقات التي أجريت. أما واشنطن فاكتفت بالتلميح، وبترجيح ضلوع ميليشيات تابعة لإيران في العملية من دون توجيه الاتهام إليها صراحة. أما اتهام طهران إسرائيل فهدفه تشتيت الأنظار عن اتهامها هي.
بعد أقل من شهر شهدت المنطقة ثلاثة أحداث أمنية:
1- صاروخ "كروز" الذي أصاب مطار أبها أول من أمس وتسبب بسقوط 26 جريحا مدنيا في قاعة المسافرين. والمتهم بذلك هي ميليشيا الحوثي، التي تتقصد التصويب على هدف مدني واضح هذه المرة لا هدف عسكري.
2- استهداف ناقلتي نفط في خليج عمان أمس، إحداهما محملة بالميثانول الفائق الاشتعال، من دولة الإمارات.
3- الإعلان الإسرائيلي عن خرق طائرة مسيرة، الأجواء من خلال الحدود مع لبنان وعودتها من حيث أتت. وهو أمر غير اعتيادي في الجبهة اللبنانية الإسرائيلية الهادئة منذ زمن طويل.
لا يمنع قيام سفينة إنقاذ إيرانية بإجلاء 44 بحارا من على متن إحدى ناقلات النفط، وإبداء طهران "القلق" من استهداف الناقلتين، القول أنه في الحالتين الأولين، الاعتداء على مطار أبها، واستهداف الناقلتين، بأن "الحرب بالواسطة" دائرة وقائمة بعد تكرار التعرض لعمليات نقل النفط، ردا على سعي واشنطن لـ "تصفير" تصدير النفط الإيراني، بالعقوبات التي فرضتها على مشتريه. تكرار الاعتداء على نقل النفط يجعل الأمر أكثر من رسالة حكما. فالقيادة الإيرانية لم تخفِ نيتها خفض الصادرات النفطية الخليجية والعربية التي ازدادت تعويضا عن الحصة الإيرانية بعد تراجعها إلى حد غير مسبوق. أما الحادثة الثالثة فهي رسالة بإمكان توسيع دائرة "الحرب بالواسطة"، على خطورة الأمر حيال لبنان وسورية معا. إلا أنها رسالة تبقى تحت سقف الحفاظ على "الستاتيكو" في لبنان، حتى إشعار آخر، كما هو حاصل في سورية، حيث تترك طهران ولو موقتا الساحة لتعقيدات العلاقة الروسية التركية في شأن إدلب ومنطقة الشمال السوري، وتشابكها مع المصالح الأميركية، طالما أنها تحصل من أنقرة على أن تشكل أحد مسارب تفادي العقوبات. وفي سورية مثل العراق تتجنب طهران المس بالوجود الأميركي، وتسعى لاستغلال ميادين أخرى.
"الحرب بالواسطة" قائمة، لكنها قد تتم على شكل موجات، قد تتقرر خطواتها وفق رد فعل واشنطن على استغلال طهران لتساهلها حيال استهداف حلفائها في الخليج، أو وفق الانسداد الذي يصيب المفاوضات الدائرة عبر أكثر من قناة تحت الطاولة. فإبلاغ خامنئي رئيس الوزراء الياباني أن رسائل دونالد ترامب لا تستحق الرد، لا يعني أنه لا يبادله إياها من طريق أحدى الدول الكثيرة التي تتولى الوساطة، ولاسيما سويسرا.
في الانتظار هل سترد واشنطن "بالواسطة" على الضربات بالواسطة، في اليمن مثلا أو في سورية (عبر غارات إسرائيل)، أم ستشيح النظر عن تعرض دول الخليج للاعتداء بالنيابة عنها؟