عوَّم لقاء بعبدا بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري التسوية السياسية، ومعها عوَّم أيضاً الجهود لإنجاز موازنة العام 2019، فضلا عن التعيينات في المراكز الشاغرة، مما يعني استئناف جلسات مجلس الوزراء، بما في ذلك عقد جلسة لمجلس الوزراء في الأسبوع المقبل، تمهّد للتطرق إلى إجراء التعيينات.
وعلمت «اللواء» ان الرئيسين اتفقا على طي صفحة السجالات التي سبقت عودة الرئيس الحريري كما اتفقا على آلية عمل، تعيد تفعيل العمل الحكومي ومكافحة الفساد، ووصفت المصادر المطلعة الأجواء بأنها جيّدة، وشهدت تحسناً ملحوظاً في الساعات الماضية، بما في ذلك، الاتفاق على مكافحة الفساد، وإجراء تطهيرات في بعض الأجهزة والسلطات التي شهدت سجالات وتجاذبات، فضلاً عن إدخال إصلاحات ضرورية تمنع تجدد مثل هذه الإشكالات.
ووصفت مصادر سياسية مطلعة اللقاء بين الرئيسين عون والحريري «بالجيد». وقالت ان هناك اتفاقا على تفعيل عمل الحكومة في المرحله المقبلة بما يعنيه من تحريك المشاريع وتمرير التعيينات.
ولفتت المصادر الى ان التسوية لم تكن في اي يوم بخطر متحدثة عن توجه نحو التهدئة وهو امر ينعكس على عمل الحكومة.
واشارت الى ان هناك توجها ايضا بتكثيف جلسات الحكومة وقد يشهد الأسبوع المقبل انعقاد جلستين في المبدأ موضحة ان الرئيسين مدركان لدقة المرحلة ويرغبان في تعميم التهدئة للإنصراف نحو تنفيذ اولويات الحكومة من مشاريع وتعيينات وقضايا اخرى اساسية.
ورأت ان تنفيس الأجواء والإبتعاد عن المناخ الضاغط يصب في سياق تمرير عدد من الملفات في مجلس الوزراء. وقالت انه بعد عشرين جلسة خصصت للموازنة آن الأوان لتباشر الحكومة العمل في جدول اعمالها.
واكدت المصادر نفسها ان رئيس الجمهورية يتدخل حينما يجب ان بتدخل كما فعل في ملف الموازنة وكذلك في قضية نزار زكا وان الرئيس الحريري مرتاح لهذا التدخل ولمساعي رئيس الجمهورية .
وتوقفت المصادر ايضا عند انعكاس الود بين الرئيسين في مرافقة رئيس الجمهورية لرئيس مجلس الوزراء الى البهو الداخلي للقصر قبيل تصريح الحريري الى الاعلاميين.
إلى ذلك، رأت المصادر ان ما اراد الرئيس الحريري قوله قاله في مؤتمره الصحافي في السراي.
عون والحريري: تفعيل الحكومة
في هذا الوقت، بدأت مفاعيل التهدئة السياسية تثمر بسرعة بعد كلام الرئيس الحريري الودي تجاه رئيس الجمهورية، والذي كان سبقه بإرسال رسائل إيجابية ايضا إلى الطائفة السنيَّة عبر زيارة وزيره سليم جريصاتي إلى دار الفتوى، قبل يومين، وذلك على الرغم من «الانتقادات الهادئة» التي وجهها الحريري لرئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل.
وأولى مؤشرات مفاعيل هذه التهدئة ظهرت بزيارة الحريري الى الرئيس عون أمس في بعبدا، والاتفاق معه على عقد جلستين لمجلس الوزراء الاسبوع المقبل لتفعيل العمل الحكومي، وسط معلومات رجحت لقائه الوزير باسيل ربما نهاية الاسبوع بعد عودة الاخير من زيارة بريطانيا وايرلندا.
وعلمت «اللواء» ان لقاء الرئيسين كان وديا وجيدا جدا، وتلته «تمشاية» في بهو القصر الجمهوري، وجرى عرض ما حصل خلال الاسابيع الماضية من توتير للجو السياسي وضرورة الخروج منه، كما جرى البحث في تفعيل عمل الحكومة بعد التأخير الذي استهلكته مناقشة الموازنة، واتفقا على تكثيف الجلسات الحكومية لا سيما بعد اقرار الموازنة في المجلس النيابي، وربماتعقد جلستان الاسبوع المقبل يومي الثلاثاء والخميس اذا تم تحضير جدول الاعمال للجلستين والمرتقب ان يكون طويلا.
كما اتفق الرئيسان على «مبدأ» طرح التعيينات الادارية بعد توفير الاجواء المناسبة لها بالاتصالات التي سيجريها الحريري مع القوى السياسية المعنية. وتم التطرق الى زيارة الموفد الاميركي ديفيد ساترفيلد حيث وضع الحريري عون في جو لقائه به، اضافة الى عرض الاجواء العامة في لبنان والمنطقة.
ورجحت مصادرمتابعة ان يستكمل الحريري ترسيخ التهدئة لتشمل كل الاطراف السياسية المكونة للحكومة، من اجل توفير الاجواء امام انطلاق عمل منتج للحكومة، بمعنى انه قد يتواصل او يلتقي الى الرئيس نبيه بري، ممثلين عن الحزب التقدمي الاشتراكي و«القوات اللبنانية»، نظرا لعلاقته الجيدة مع هذه الاطراف، برغم بعض الالتباس بينه وبين رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط الذي لم يصل حد القطيعة برغم السجالات التي اندلعت بين نواب من الطرفين مؤخرا ثم جرى وقفها فورا بطلب من جنبلاط نفسه.
وقال الحريري بعد لقاء عون: «إننا نمر بمرحلة اقتصادية صعبة والمطلوب «شدشدة» الأمور، واتفقت وفخامة الرئيس عون على ضرورة تسريع العمل الحكومي لتحقيق الإنجازات المطلوبة، وقد رأينا أن الكلام في الإعلام يجب ان يتوقف ونتمنى من وسائل الإعلام مساعدتنا».
اضاف: «جميعنا في الحكومة أنجزنا موازنة تاريخية، واليوم (امس) كان هناك حديث جانبي مع رئيس مجلس النواب نبيه بري للاسراع بانجاز الموازنة في المجلس. موضحا أن «الاجتماع (مع عون)إيجابي ولا يوجد خلافات حول التعيينات، والأسبوع المقبل سيكون هناك جلسة للحكومة، وما يهمني انا والرئيس عون هو النتائج».
وقال: علاقتي بالرئيس عون ودية، وهمنا الأكبر تحقيق نتائج عملية وملموسة لما فيه مصلحة المواطن، لافتاً إلى ان الكلام وحده لا يجلب المال، ولا يحقق الإصلاحات ولا يكافح الفساد والهدر.
وأشار إلى انه إذا تمّ التحفظ على بعض بنود الموازنة في مجلس النواب فهذا أمر ديموقراطي، ولكنه في الوقت نفسه ما تمّ الاتفاق عليه قد تمّ.
وعن احتمال لقائه بالوزير باسيل قريباً، قال الحريري ان «المشكلة اليوم لا تكمن بالتسوية الرئاسية فقط، بل ان البلد كلّه كان «فلتان على بعضه»، وعلينا ان نعود إلى الهدوء والعمل وان نفكر بالعقل، لقد انجزنا الكثير وعلينا استكمال العمل الذي كنا نقوم به بدلا من الاختلاف.
وعن موضوع التدخلات في القضاء، أشار الرئيس الحريري إلى انه يتم البحث في هذه الأمور واليوم (امس) احتفلنا بمئوية محكمة التمييز، ولا أحد يريد التدخل في القضاء، والإصلاح يجب ان يطال الجميع وجميع الوزارات، لافتاً إلى ان الاستقلالية يجب ان تمنح للقضاء بشكل كامل ولا يجب ان تكون مبنية على زيادة الرسوم.
وقال: «لقد قلت ما قلته أمس (الاول) كي يسمع الجميع، وكي تتحقق العدالة للناس، ولا يجب حماية أحد حتى ولو كانت تربطني به صلة.
إضراب الجامعة
وفي مجال آخر، وصف الحريري إضراب أساتذة الجامعة اللبنانية بالمعيب بحق الأساتذة، وقال انه «غير مقبول، وأكّد ان الموازنة لم تطل الأساتذة، فلماذا يحرمون أكثر من مائة ألف طالب لبناني من الذهاب إلى الجامعة.
ولقي هذا الوصف من الحريري ردود فعل في أوساط الجامعة والأساتذة، فيما اعتصم الأساتذة المتعاقدون بالساعة في الجامعة امام مبنى الإدارة المركزية في المتحف مطالبين بالافراج عن ملف التفرغ ووقف الظلم اللاحق بهم.
واستقبل الرئيس الحريري مساء وزير التربية والتعليم العالي اكرم شهيب في لقاء خصص لمناقشة موضوع إضراب الجامعة، وأمل شهيب بعده الوصول إلى نتائج إيجابية، في ضوء اتصالات سيجريها رئيس الحكومة مع وزير المال «لكي نحدد أين يمكننا ان نتقدم بأي مطلب من المطالب».
لجنة المال: شطب المادة 22
وكانت لجنة المال والموازنة النيابة، شهدت أمس، وخلال الجولتين السادسة والسابعة مساء، مناقشات مطولة للبند المتعلق بضريبة الدخل، وتحديداً إخضاع المتقاعدين لضريبة 3 في المائة على معاشاتهم في مشروع الموازنة، وتضاربت المواقف بين الكتل النيابية حيال موقف الحكومة من هذه المادة، إضافة إلى المواقف التي اعلنها الرئيس الحريري في مؤتمره الصحفي، والذي رفض فيه ما وصفه بمسرحية درس الموازنة، ما اثار انتقاد رئيس اللجنة النائب إبراهيم كنعان، الذي أعلن باسم النواب رفضه وصف عمل مجلس النواب بالمسرحية، مؤكدا ان المجلس سيّد نفسه وهو يمارس دوره الرقابي المخول له دستورياً، فهو لا يبصم على عمل الحكومة، والا فليعدلوا الدستور ويوقفوا عمل المجلس».
وخصصت جلسة الأمس للمادة 22 المتعلّقة بضريبة الدخل، وكان هناك اجماع على أن لا احد ضد اخضاع الشطور العالية للضريبة، ولكن هناك اشكالية المتقاعدين الذين تتضمن الموازنة وللمرة الأولى بنداً لاخضاعهم لضريبة الدخل، وفي ضوء النقاشات، قرر النواب ان هذه المادة يجب ان تعدّل، خصوصاً لناحية التقاعد. وكان لوزير الدفاع الياس بوصعب شرحاً مستفيضاً حول موضوع العسكر وحقوقهم والتقاعد، كما تقدّم وزير المال علي حسن خليل بشرح أيضاً من الناحية المالية بالارقام حيث تؤمن هذه المادة وفرا يتجاوز 50 مليون سنويا. وفي ضوء كل ذلك اجمع النواب على عدم امكان بت المادة كما هي، بل هناك ضرورة لتعديلها، خصوصاً في ما يتعلّق بموضوع التقاعد، من خلال اقتراحات تتقدم بها الكتل على هذا الصعيد».
وأفادت مصادر نيابية عن حصول سجال بين الوزير خليل من جهة وعدد من النواب من جهة اخرى، على بند ضريبة الدخل على معاش التقاعد، وكان أبرز المعارضين لهذه الضريبة نواب «حزب الله»، فيما تمسك نواب «المستقبل» بالبند كما ورد في الموازنة لأنها تؤمن الإصلاح الفعلي، فكانت النتيجة تعليق النقاش في هذه المادة، كما تمّ تشكيل لجنة لإعادة النظر بالرسوم على أرقام السيّارات المميزة.
وشدّد نواب «المستقبل» على ان أي نقاش في بنود الموازنة، لا بدّ ان تخرج بنفس نسبة العجز التي خرجت به من مجلس الوزراء، لأن أي تلاعب بهذه النسبة ارتفاعاً سيضع تصنيف لبنان على المحك.
وأقرّت الجلسة المسائية المواد المعلقة من الرقم 23 إلى 30، ومن بينها إقرار زيادة الضريبة على الفوائد المصرفية من 7 إلى 10 في المائة، والتي تؤمن بحسب وزارة المال 560 مليار ليرة.
بري: افتتاح مستشفى الزهراء
وخلال رعايته احتفال افتتاح مستشفى الزهراد، كمركز طبي جامعي، دخل الرئيس نبيه برّي على خط النقاش الدائر في مجلس النواب، موضحاً ان لمجلس النواب الحق بإتخاذ سلسلة قرارات لخفض الموازنة لا لزيادتها. علماً انه جرى حكومياً تخفيض العجز في الموازنه الحالية بنسبة سبعة فاصل تسعة وخمسين.
وشدد على ان لا لخفض رواتب القطاع العام على الإطلاق بل زيادة في الائتمانات والضمانات، وقال: نحن كنا طليعة النضال من اجل سلسلة الرواتب والرتب ولن نضحي اليوم بمنجزات حققناها خلال السنوات السابقة. نعم هناك بعض الضرائب على بعض الاقتطاعات وعلى بعض الأمور المصرفية والتشدد فيما خص بعض التدابير وهناك بعض التحفظات السياسية.
وطلب الى الحكومة بناء ثقة الأطراف السياسية والنقابات والقطاعات بها وبالموازنة.
وأعلن ان المجلس مقبل على جلسة تشريعية في مجال الموازنة، ومكافحة الفساد واللامركزية الإدارية وقانون البلديات ودائماً في ما يختص بتحديث قانون الانتخابات، مشيراً إلى ان العدالة في التثميل بين الطوائف ستكون مضمونة، ولن ننجر إلى قانون طائفي، بل ستكون النسبية سبيلاً لتمثيل كل شرائح الشعب اللبناني.
وفي مجال آخر، أكّد برّي ان «الاولوية تبقى لبناء الخط الأبيض المائي، وبمعنى أوضح بترسيم الحدود وإزالة التعديات، والقرصنة الإسرائيلية لثروة لبنان البحرية»، كاشفاً ان «العدو الإسرائيلي يحاول ان يتهرب بشتى الوسائل، لكننا لن نقبل بأن يمس حق من حقوقنا بمقدار انش واحد».
زيارة ساترفيلد
وجاء هذا التعليق للرئيس برّي، في أعقاب جولة جديدة من المفاوضات غير المباشرة، التي أجراها أمس، الموفد الأميركي مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد ساترفيلد، ترافقه السفيرة الأميركية في بيروت اليزابيت ريتشارد، مع كل من الرئيسين برّي والحريري والذي استبقاه إلى الغداء، ووزيرة الطاقة ندى البستاني وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وقائد الجيش العماد جوزف عون، ويرجح ان يلتقي الرئيس عون اليوم ما لم يحول ضيق وقته دون ذلك.
وتم استكمال البحث في موضوع الحدود البحرية والبرية، «حيث وصلت الأمور إلى دقائقها ودقتها في الحفاظ على كامل الحقوق اللبنانية»، حسبما أعلنت مصادر عين التينة، فيما أوضحت الوزيرة بستاني بأن الاجتماع كان ايجابيا وان ساترفيلد ابلغها ان الإدارة الأميركية تشجّع الشركات على الاستثمار في قطاع النفط في لبنان.
وافادت المعلومات ان ساترفيلد ركز على معرفة الموقف اللبناني النهائي من فصل ترسيم الحدود البرية بين لبنان وفلسطين عن ترسيم الحدود البحرية، والمهلة التي يفترض ان تأخذها المفاوضات، فكان الموقف ان لا فصل بين ترسيم الحدود، وأن مهلة المفاوضات مفتوحة وليس ستة اشهر كما تريد اسرائيل. كما تناول البحث بعض الامور التقنية واللوجستية المتعلقة بتفاصيل المفاوضات.
ولم يُعرف ما اذا كان ساترفيلد سيستأنف مهمته لاحقا ام يوكلها الى خلفه الذي تم تعيينه ديفيد شينكر، بسبب اضطراره للالتحاق بعمله كسفير لأميركا في تركيا، علماً ان معلومات ذكرت ان زيارته لبيروت قد تكون الأخيرة في إطار مهمة الوساطة المكلف بها.