إرهاب النظام الإيراني بعد أن كان في خدمة تمدد مشروع صادرات الثورة تحول مع بداية مرور سنة على قرار الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي إلى مرحلة ترسيخ مكتسبات الإرهاب للدفاع عن النظام، وذلك ما يضع ولاية الفقيه في حرج مع مقلّديها وأتباعها وميليشياتها وأحزابها، ويدفعها إلى خوض معركة التمنع مع شروط وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الـ12 شراء للوقت أو قتله أو إطلاق النار على بعض الشروط دون غيرها.
سياسة مقايضة تغيير بعض بنود الاتفاق المتعلقة ببرنامج التسلح النووي مقابل مفاوضات غير محددة لا تشترط تنفيذ بقية الفقرات في أسباب الانسحاب الأميركي، هي سياسة تطرحها إيران بدبلوماسيتها تنفيذا لإرادة المرشد علي خامنئي في المناورة مع الولايات المتحدة، رغم أن الحقائق على الأرض تؤكد أن الوصايا تتجه إلى تنفيذ الغايات التقليدية لولاية الفقيه، وبلورتها وضبط توقيتاتها حتى مع اتضاح سذاجة مبررات زعماء محسوبين عليها، كتلك المواقف لرئيس وزراء العراق عادل عبدالمهدي التي حاول فيها التقليل من أهمية حرائق الحنطة والشعير التي التهمت الآلاف من الأفدنة وما زالت وبأعداد متنقلة من الحرائق تجاوزت المئات، إضافة إلى خسائر في حياة المزارعين الذين استبسلوا في الذود عن ممتلكاتهم.
رئيس الوزراء تضامن مع طروحات وزارة الزراعة عن تعمّد حرق المزارعين لأرضهم لأن في حرقها فوائد للتربة ستؤتي ثمارها في تخصيب الأرض وزيادة إنتاجها في المواسم المقبلة، دون أن ينسى الالتفات إلى بعض الأخطاء لعدم تحسّب بعضهم لانتقال النيران إلى حقول مجاورة لم تكتمل فيها عملية الحصاد.
أن يتصدى زعيم ميليشيا للحرائق في ذات التوقيت وبذات المضامين التي وردت في المؤتمر الصحافي لرئيس الوزراء وباستهانته أيضا بحجم الخسائر، لا يمكن أن يكون ذلك إلا بالتنسيق لاستثمار الأرض المحروقة في بذر نوايا الميليشيات للإيقاع ببقايا أبناء الموصل عندما تم ربط الحرائق هناك بعمليات قام بها المتضررون من إرهاب بعض الأفراد من تنظيم داعش للانتقام من أهلهم المزارعين الذين عادوا إلى أرضهم بعد “تحرير” الموصل.
الفتنة ومقاصدها الطائفية ليست نائمة ويراد للهيبها أن يرفع رأسه مجددا بقرار ومنهجية الأقبية المظلمة، وما ينبعث منها من سياسات تتصل بتداعيات أزمة خانقة تعصف بنظام الولي الفقيه. وآن للعراقيين أن يتحملوا تكاليف العقوبات على إيران وتسديد فواتير باهظة الثمن نتيجة تراجع الاحتلال الإيراني عن بلادهم أو ثمن أي انهيار أو تقنين أو تهميش أو تجميد أو حل للميليشيات استجابة لتنازلات مقبلة تفرضها شروط بومبيو على الأذرع الإيرانية في العراق والمنطقة.
ليس بعيداً ما يجري من تهجير قسري واغتيالات واعتقالات تعسفية في محافظة ديالى عن العاصمة بغداد بعد مسببات شحن طائفي استهدف قوة أمنية أدت إلى سقوط عدد من الضحايا بينها في قضاء الطارمية، كان مقابلها شعارات جاهزة ومعدة لتجريف البساتين وتهجير المواطنين بقوة رغم مجالس العزاء التي أقامتها عشائر حزام بغداد للحيلولة دون إعادة سيناريو ناحية جرف الصخر التي تحولت إلى منطقة مغلقة للحرس الثوري ومعسكراته التدريبية ومعتقلاته الخاصة، وتلك ليست معلومات خافية أو سرية إنما هي حالة مسكوت عنها لأن ما وراءها مصير المغيّبين ونداءات المهجّرين قسريا، عدا من قتل من أبنائهم.
ديالى، مدينة البساتين المحاذية للحدود الإيرانية، تعاني من تهديدات تتوعدها بمصير مماثل للموصل ونكبة “تحريرها”، وهذا يعني أن الموصل تحولت إلى وحدة قياس وتحذير متبادلة بين القوى السياسية في مجالس المحافظات ومجلس النواب، فمن يهدد يتوعد الآخر بما آلت إليه الموصل، ومن يحذر يُذكِّر بأن المحافظة التي ينتمي إليها انتخابيا أو تحت إرادتها القومية والمذهبية لن تكون موصلا أخرى.
العراق يتهاوى تحت مطرقة ولاية الفقيه بما تستحضره من برامج ترفع من نسبة تخصيب الفتنة الطائفية على أيدي من يتبرأ منها من زعماء الميليشيات الذين يجاهرون بسيادة القانون ودور القوات النظامية والأمنية في حماية المواطنين، لكن الحقيقة تكمن في قوة تتفوق على بعض رهانات الاحتراف والمهنية في تلك الأجهزة التي تعاني من إحالات غير مفهومة على التقاعد لكبار الضباط أو نقلهم إلى أماكن ليست بحاجة إليهم، أو إعادة بعض الضباط المتهاونين مع الميليشيات إلى مواقعهم المنقولين منها رغم إصرار عدد من المسؤولين من أبناء المحافظات على محاسبتهم لانكشاف تورطهم في الفساد أو تسهيل مهمة الميليشيات والمافيات.
التغيير الديموغرافي والطائفي في حزام بغداد مشروع إيراني استيطاني يتهيأ لتنازلات وتعهدات سياسية ومساومات أمنية دولية في المنطقة، ستنال من التواجد الإيراني وتسعى لتقليم مخالب الحرس الثوري بالتزامن مع التهديدات الإيرانية للولايات المتحدة أو ابتزازها للاتحاد الأوروبي.
من الطبيعي ألا يستقطب حزام بغداد في هذه الظروف اهتمام المجتمع الدولي، لكن ما يجري فيه نذير متغيرات خطيرة في الشأن العراقي حفّزت بعضهم للمطالبة بتدويل طوق بغداد الجغرافي لأنه يجمع نقائض المشروع الإيراني بأهدافه المستدامة مع نتائج كارثة الاحتلال الأميركي التي تحول من خلالها هذا الحزام إلى حزام إيراني ناسف في الشكل والمضمون. حزام سيأتي على البقية الباقية من أمل في وحدة العراقيين واستقرارهم وعروبتهم.