اللبنانيون منذ بدء هذه التسوية أصبحوا معتادين، على أن يكون كل تصعيد سياسي بين أطرافها مرهوناً بخلافاتٍ على حسابات مصلحية معينة، فيتم رفع سقوف الخلاف ليحسّن كل طرفٍ شروطه ومواقعه التفاوضية بغية تحقيق ما يريد.
أما كل الكلام التهويلي الذي تتحدث به بعض الأوساط من هذا الطرف أو ذاك، فلا يعدو كونه لزوم ما يلزم في هذه المعركة التي لن ينجم عنها نتائج واضحة أو حاسمة، إنما ستكون التسوية هي الخيار الأمثل بالنسبة إلى الجميع. وفي ضوء المعلومات التي تتحدث عن مساعي بُذلت بعيدا عن الاضواء لأجل تخفيف التوتر بين التيار الوطني الحرّ وتيار المستقبل.
بعض المتابعين للاتصالات بهدف إيجاد المخارج لهذا الجدل مع عودة رئيس الحكومة الى بيروت بعد إجازة عيد الفطر، أن الملفات الجديّة المطروحة على بساط البحث في هذه المرحلة، هي الموازنة والتعيينات والكهرباء. وهذه الملفات التي تحرّك أولها، أي الموازنة، في اتجاه مجلس النواب، فيما يبقى ملفا التعيينات والكهرباء على طاولة مجلس الوزراء، تتطلب تضامناً حكومياً يبدو انه غير متوفرحاليا.
إقرأ أيضًا: الإقتصاد في خطر: السياسيون يتراشقون على الصلاحيات لشراء الوقت
والسبب معروف حول غياب هذا التضامن الذي يعود الى حسابات فريق التيار الوطني الحر بزعامة الوزير باسيل، وهي حسابات تصطدم بكل المقاربات التي تسعى الى توفير إجماع. وتكفي الاشارة هنا الى ما يتردد عن سعي التيار الى الحصول على التعيينات المسيحية منفرداً ووضع شروط على التعيينات الاسلامية.
وهنا يطرح السؤال حول الالية التي يمكن اعتمادها لردم الهوة بين هذا الفريق الوزاري وبين باقي مكوّنات الحكومة، فالاجابة بلا تردد بأن الحل عند رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يتمتع بصلاحيات دستورية داخل السلطة التنفيذية، كما يتمتع بصلاحيات سياسية داخل التيار العوني.
فهل هناك امكانية كي يمارس الرئيس عون هذه الصلاحيات الدستورية والسياسية؟ في معلومات ذكرتها مصادراعلامية ان الاتصالات التي جرت على أعلى المستويات، ان الرئيس عون مقتنع تماماً بكل الاداء الذي يمارسه الوزير باسيل. وخرج احد هؤلاء المشاركين في هذه الاتصالات بحسب المصادر الاعلامية بانطباع ان رئيس الجمهورية منح زعيم تياره السياسي ورئيس فريقه الوزاري تفويضاً مطلقاً، ما دفع الوسطاء الى الانكفاء بعدما أقفل قصر بعبدا أمامهم باب المناقشة، وصار لزاماً على سعاة الوسطية ان يتجهوا نحو وزير جيّر له رئيس الجمهورية كل صلاحياته.
وهنا جوهر الازمة التي يمرّ بها الآن العمل الحكومي. إذ كيف يمكن رئيس مجلس الوزراء ان يسيّر عمل السلطة التنفيذية بموجب صلاحياته الدستورية مع وزير في حكومته بدلاً من ان يسيّرها مع رئيس الجمهورية الشريك الاساسي في هذه السلطة؟
حتى يعود العمل الحكومي الى رشده الدستوري، وفق تعبير مصدر وزاري قريب من رئيس الحكومة، لقد بدأت هذه الازمة الداخلية تتفاعل خارجياً. أن الجهات الخارجية المعنية بمؤتمر سيدر شرعت في توجيه رسائل الى المسؤولين حول ما اعتبرته التفافاً على التزامات لبنان لمعالجة ملف الكهرباء الذي يمثل فعلياً المشكلة الرئيسية التي تسببت بمديونية هذا البلد ووضعته في المراتب الاولى للدول الاكثر مديونية في العالم. وأخذت هذه الجهات على المسؤولين انهم أخرجوا بند تمويل عجز الكهرباء من الموازنة على رغم انه يبلغ وحده ملياري دولار أميركي.
إقرأ أيضًا: مخاطر التوتر السياسي وارتداداته
ومن تفاعلات الازمة الداخلية خارجياً أيضاً، ما يتصل بما طرأ من تعامل مع ملف النازحين السوريين في لبنان، وفي معلومات ان الاتحاد الاوروبي يستعد لإصدار بيان شديد اللهجة ضد ما يعتبره ممارسات مجحفة بحق هؤلاء النازحين مورست أخيراً في بعض المناطق. وفي موازاة ذلك، تتردد معلومات ان وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب، المحسوب على الكتلة الوزارية لـ التيار الوطني الحر، أعد خطة تجيز العودة القسرية للنازحين الى سوريا، بما يتنافى مع المبادئ والاعراف الدولية.
ومن المفارقات، بحسب هذه المعلومات، ان سلوك بعض المسؤولين يأتي في زمن تفاقم الأزمة في سوريا على المستويين الامني والسياسي. ويكفي هنا إيراد ما نشره المعهد الأوروبي للسلام الذي نشر تقريرا أكد فيه أنه بين أيلول وكانون الأول 2018 أعلن النظام السوري تفجير 344 مبنى بشكل علني بحجة عمليات التنظيف والتطهير في أعقاب الحرب.
فالى أين سيعود النازحون إذا فرض لبنان عليهم العودة، وعددهم يقارب المليون ونصف مليون نازح هل من نهاية لهذه الازمة وهذا التخبط الداخلي؟ لا يبدو في رأي المراقبين أن ثمة نهاية قريبة لهذا التخبط الداخلي. خصوصاً في ظل الابتعاد عن اصول الممارسات الدستورية الصحيحة ، لا حل إلا بالعودة الى قواعد الدستور والطائف.