التجربة اللبنانية منذ ما يسمى بالإستقلال وحتى يومنا هذا، هي تجربة مثقلة بالخسائر التي كان أهمها فقدان وطنٍ وتحول الدولة من مزرعة لطائفة، ومن طائفة إلى حزب، ومن حزبٍ إلى زعيمٍ أوحد، وحرصت على تربية أجيالٍ مجبولة بالقهر والذل،ومعلَّبة بعُلبٍ حزبية طائفيةٍ مغلَّقة ومختومة بختم الصم البكم العمي فهم لا يبصرون، وأيضاً مسربلة بقوانين بالية لا تشبه إلا قوانين (المُغِّيط).. ودجنت الشعب اللبناني بكل أشكال الذل والإستبداد والعبث بحياتهم وبمستقبلهم ومصيرهم ومستقبل أولادهم وحياتهم.
لم نسمع في تاريخ الدول المحترمة التي تحمي شعوبها أنها تتآمر يوماً عليهم من أجل تفقيرهم وبقائهم في جهلهم، سوى لبنان وأخواته، فنرى أن قوانينها التي تحمي أصنام الآلهة من الطوائف والأحزاب لتكون ضد شعبها ونهوضه إلى حياة الأمن والراحة، تكفي نظرة واحدة على مساحة هذا الوطن توحي بحجم الضياع والخراب المنتشر كالجراد في أسواقنا وطوائفنا، ويضيع العمر في مواجهة هذه السلطة المتعاقبة والعقيمة والبليدة التي تعبث بمصيرنا من دون أية مسؤولية إنسانية أو أية محاسبة أو مساءلة بل عكسها تماماً إقتربت من التقديس والتبجيل والتفخيم وبالويل والثبور إن غاب عنها زعيمها وصنمها.. حتى بات المواطن اللبناني لا يمكن أن يفكر إلا في الخط الذي رسمه له ربه الحزبي والذي يفرضه ما يسمى بالتحالف بين رجال السلطة وبين رجال الدين.. ( تحالف دنيوي شيطاني) لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، لا صوت يعلو فوق صوت السلطة الدينية، لا صوت يعلو فوق صوت الزعيم الذي يفقر شعبه، إلا صوتهم الذي يملأ سمانا ضجيجاً، إلا صوت الشيوخ المتحالفين مع سلطة الأحزاب لا يهزهم وجع المديونين وألآم المساكين، ولا يعنيهم جهل أطفالنا ومنع حقوقهم في التعليم تحت ألف ذريعة قانونية ولو أدى إلى الجهل والفقر والبطالة، خليطٌ وعجيبٌ لا تراه في أي بلدٍ من بلدان العالم، بل لا يوجد له مثيل، القضاة يتدخلون بالسياسة، والسياسيون يفرضون على القضاة، ورجال الدين يتعاطون كل شيء سياسة، دين، وعظ، خطب، حطب، يعبثون في كل صغيرةٍ وكبيرة ما عدا حقوق الناس لا تعنيهم بشيء، سوى تأنيبهم على ترك الفرائض، وتخويفهم من رب السماء، وكأنهم يحملون عرش الرحمن ومفاتيح الجنان، والأحزاب تستغل الدين والطائفة من أجل تكريس النفوذ والسيطرة، متى يستفيق اللبنانيون من طوائفهم وطائفيتهم وحزبيتهم المتعصبة، ومن يضع حداً لهذه المهازل والمحادل التي هزلت بحياتنا ومحدلت حقوقنا وكرامتنا، شاء اللبنانيون أم أبوا، إنهم يبحثون عن مخلصٍ ومجيرٍ يبعث على الأمل في قلوبهم وقلوب أولادهم التي تئن من اليأس وأطفالهم لا يعرفون البسمة، وشبابنا ملؤا شوارعهم بطالة ووجعاً وصراخاً، ويبقى عويل الشيوخ والثكالى لا تكف عن الوجع والحسرات، إنه لبنان الأرز والشموخ.
إقرأ أيضًا: عيد الدهس والذُّل.......!