توقف الرأي العام اللبناني على نتائج إنتخابات نقابة الأطباء في بيروت وأبرز ما فيها التحالف الذي حصل بين حزب الله وحزب القوات اللبنانية.
مسار العلاقة بين حزب الله وحزب القوات اللبنانية تعرض للكثير من التفسيرات والتأويلات نظرًا للعلاقة التاريخية المتأزمة بين الحزبين والتي فرضتها جملة عوامل كانت على صلة بالحرب الأهلية اللبنانية وما شهدته تلك الحقبة تحالفات فرضتها هذه الحرب نفسها، فلجأت بعض القيادات المسيحية إلى خيارات كانت تعتبرها ضرورة المرحلة للحفاظ على الكيان المسيحي المهدد بوجوده بعد استعار الحرب لاعتبارات خارجية ودولية، كما فعل غيرها من القيادات التي تولت زمام الحرب حينذاك.
اليوم وبعد التحول الكبير في السياسة الداخلية اللبنانية الذي تلا اتفاق الطائف والتسويات الأخرى التي جاءت بعد هذا الإتفاق وصولًا إلى التسوية الرئاسية الأخيرة، كان لا بد من كسر الحواجز بناء على المعطيات والمتغيرات داخل الساحة اللبنانية والتي فرضت نفسها بقوة لتنتج لاحقًا تركيبة لبنانية جديدة قائمة على مشاركة الجميع من كل الأطياف والأفرقاء على الساحة، وبطبيعة الحال شكل حضور القوات اللبنانية مؤخرا كحزب سياسي فاعل في المجلس النيابي ومجلس الوزراء حالة جديدة وفريدة لا يمكن تجاهلها بما تحمله من مشروع لبناء الدولة القائمة على الدستور والمؤسسات، وبما تحمله من برامج لإعادة إنتاج المؤسسات الدستورية وصيانتها وإعادة ثقة المواطن بدولته، في مقاربة مفصلة قدمها رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع في برنامجه الإنتخابي خلال ترشحه لرئاسة الجمهورية.
إقرأ أيضًا: اللبنانيون بألف خير!!
وكانت القوات اللبنانية لاعبا اساسيا في صياغة التسوية الرئاسية الأخيرة والتي أدت إلى خروج البلاد من الأزمة الرئاسية التي استمرت سنتين، وبموقفها أضافت القوات اللبنانية إلى رصيدها الوطني مصداقية جديدة بالموقف التاريخي للدكتور جعجع عندما أعلن تأييده ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية فانطلقت عجلة التسوية التي ما تزال القوات على رأسها من خلال تقديم تجربة نيابية ووزارية جديدة قائمة على الشفافية ومنتظمة وفق ما يقرره الدستور والمؤسسات.
وبذلك شكلت القوات تيارا شعبيا واسعا لم يعد بالإمكان تجاهله لصياغة أي تركيبة لبنانية جديدة، فأثبتت الإنتخابات النيابية الأخيرة حضورها الفاعل في كل المناطق اللبنانية، فشكلت القوات خطابها الجديد تجاه اللبنانيين بكل فئاتهم وأحزابهم وتياراتهم، خطابًا قائمًا على الوسطية والإعتدال والتوازن بعيدا عن الإصطفافات السياسية الحادة، وكانت مصلحة لبنان فوق كل الاعتبارات الأخرى.
قرأ حزب الله جيدا هذه التحولات وغيرها وأيقن أنه وبالرغم من تحالفه الواسع مع التيار الوطني الحر فلم يعد بالإمكان الاستمرار في القطيعة مع القوات اللبنانية فاعتمد الرسائل الايجابية وفتح الطريق لبداية حوار جدي وصريح حول بعض الملفات وفتح هذا الحوار آفاقا جديدة في العلاقة بين الطرفين وفق الأهداف المشتركة وإن رفض التحالف مع القوات في انتخابات 2018 لاعتبارات وصفها بالخارجية، فجاء التحالف في انتخابات نقابة الأطباء ليؤكد أن هذا الحوار هو حوار جدي سيؤسس فيما بعد لانطلاقة أوسع لا سيما أن للطرفين أهداف ورؤى شبه موحدة لمعالجة الأزمات الداخلية اللبنانية، وبالتالي فإن حزب الله مدعوا أكثر لملاقاة القوات اللبنانية بخطابها وتجربتها وشفافيتها قياسا على ما يعانيه اليوم من بعض الحلفاء وربما الخيارات.
إن التحالف الأخير في نقابة الأطباء بين حزب الله والقوات اللبنانية مؤشر إيجابي وبنّاء نتمنى أن يكون ثمرة أولى لحوار يسعى إلى صالح لبنان واللبنانيين جميعا لا سيما في هذه الأزمة التي تمر بها البلاد.