كانت وحتى الأمس القريب المفاوضات التي تجري بين "لبنان" والعدو الإسرائيلي تجري على قدم وساق، وبسلاسة متناهية وبمباركة مباشرة مع حزب الله الطرف الأساسي المعني بالموضوع، وصاحب القرار الفعلي بهذا الأمر، حتى أن المبعوث الأميركي ساترفيلد بوياراته المكوكية إلى بيروت، انما يتباحث حصرًا بتفاصيل مطالب وشروط الطرفين المعنيين بالتفاوض من خلال الرئيس نبيه بري بوصفة الموكل الشرعي والوحيد من قبل حزب الله، وأما جلساته (ساترفيلد) مع المسؤولين الأخرين كوزير الخارجية جبران باسيل ورئيس الحكومة أنما تعقد بصورة بروتوكولية لضرورات المشهد ليس الّا.
يقول مطلعون على مجريات هذه المفاوضات، ان فرملة مفاجئة أصابت مسارها، مما أعاد الأجواء مجددًا على الساحة الجنوبية إلى سخونته المعتادة ويتخوف هؤلاء إلى العودة مجددًا للمربع الأول مع التخوف من إشتداد السخونة المترافق مع الإستفزازات الإسرائيلية أن عبر الاستمرار ببناء الجدار الاسمنتي على المناطق المتنازع عليها، والتي تعتبرها "الدولة اللبنانية" رسميًا أراضٍ لبنانية أو من خلال أعلن الجيش الإسرائيلي أمس الجمعة مناطق مزارع شبعا وصولًا إلى جبل الشيخ عند الحدود اللبنانية السورية مناطق عسكرية مغلقة رافعًا بذلك درجة الجهوزية والإستنفار.
إقرأ أيضًا: إيران تغرق، ولبنان مجددًا بدون وصاية
وفي هذا السياق، يحاول الاعلام المقرب من حزب الله أن يعزو هذا التعقيد المستجد إلى أمرين هما أقرب إلى السذاجة منهما إلى الواقع والحقيقة، الأول هو الإنتخابات الإسرائيلية في أيلول المقبل!! والثاني هو تعيين دايفيد شنكر بديلًا عن ساترفيلد!! واعتبار أن شنكر هو مقرب من العدو الإسرائيلي وكأن ساترفيلد غير مقرب!!
الحقيقة هي في مكان اخر ولا يتصل بهذه الأسباب لا من قريب ولا من بعيد، فالجنوب ومع لبنان الممسوك قراره من الوصايا الإيرانية عبر وكيله المعتمد حزب الله، كان المطلوب منه في الأسابيع الماضية ارسال رسائل ايجابية للأميركي من خلال ربيبته اسرائيل وذلك بهدف محاولت مد جسور تواصل قد تساهم برأي الإيراني من التخفيف من وطأة العقوبات المفروضة على ايران.
فكانت رسالة "التفاوض" وهدؤ الجبهة الجنوبية هي الرسالة المعتمدة في الصندوق الجنوبي، بالإضافة إلى رسالة الإفراج عن المواطن اللبناني - الأميركي نزار زكا، مترافقا كل ذلك مع إشاعة أجواء من التفاؤل على خط التهدئة بين الطرفين.
إقرأ أيضًا: جريمة طرابلس.. تساؤلات لا بد منها
المستجد الحقيقي الذي طرأ، وقد يكون هو السبب الفعلي في عودة الأمور إلى نقطة الصفر أن في الجنوب أو على الجغرافيا الخليجية هو العقوبات وما أعلنت عنه وزارة الخزانة الأميركية الجمعة الفائت من عقوبات جديدة طالت هذه المرة اضخم مجموعة بتروكيميائيات قابضة في إيران والتي تعتبر واحدة من أهم الموارد الموالية للحرس الثوري.
هذه العقوبات الجديدة، والتي قد حكي عن تراجع ادارة ترامب عن إقرارها، بما اوحى عند كثيرين بتقدم المباحثات السرية الأميركية – الإيرانية وربطها البعض بالغضب الأميركي من محتوى البيان الختامي للقمتين العربية والإسلامية وما جاء فيها من تأكيد على القضية الفلسطينية والقدس.
حاءت هذه العقوبات لتعيدنا مجددًا إلى المربع الأول، وإلى لعب الجنوب اللبناني دوره الإيراني كصندوق بريد ولكن هذه المرة برسالة أخرى قد لا تكون "تفاوضية" هذه المرة وذلك بحسب المقتضيات المصالح الإيرانية.