هل ستستطيع القوى السياسية اللبنانية أن تتجاوز مشاحناتها والحروب الصغيرة التي اشتعلت على خلفية ما حدث في طرابلس؟
هذا السؤال يفرض نفسه في بيروت بعد عطلة عيد الفطر حيث ستنطلق الحركة حاملة معها الاثار التي تركتْها الأيام الأخيرة على صعيد العلاقات بين فريقيْ التيار الوطني الحر وتيارالمستقبل، قبل أن ينفجر الاشتباك الموْضعي بين المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي.
على خلفية المداورة في رئاسة بلدية شحيم وذلك رغم العيار الثقيل في حرب التغريدات التي استعرت بين الطرفين، إلّا أن معاودة تطبيع العلاقة بين المستقبل والتيار الحرّ تشي بتعقيداتٍ أكبر رغم حتمية ترميمها كخيارٍ وحيد للحفاظ على التسوية السياسية التي تحكم الواقع اللبناني منذ تشرين أول 2016.
وعلى مرّ السنين، استطاعت سلطة الوصاية السورية إنتاج سياسة ادت الى جعل الأحزاب الطائفية فاعلة في السياسة اللبنانية كما حرصت على أن يكون نظامًا غير فعّال، يتأرجح دائما على حافة الفوضى.
على القوى السياسية مواجهة تحدٍ جديد، حيث أصبحت الأزمة الإقتصادية تلوح في الأفق ولم يعد من المقبول الضرب بعرض الحائط مصلحة الوطن والمواطنين.
إقرأ أيضًا: مخاطر التوتر السياسي وارتداداته
فمنذ الانتخابات اللبنانية التي أجريت في 2018، اتفقت القوى السياسية الكبرى في البلاد على أن الأوضاع المالية في البلاد غير مستقرّة لكنها لا تتفق على العديد من النقاط.
وأمام حالة الانقسام والخلافات المستمرة، وفي ظل المحاولات الحثيثة لخلق اعراف جديدة تتخطى الدستور وتشكل خطرًا على اتفاق الطائف بات لبنان في حاجة إلى موقف وطني موحد يحد من معاناته الناتجة عن انتزاع غنائمه المركزية الضعيفة لصالح كل طائفة أو حزب سياسي.
وأصبحت نسبة الدين من الناتج المحلي الإجمالي في لبنان 152 بالمئة، لقد وافقت الحكومة اللبنانية المنهكة بالديون على مسودة ميزانية لخفض عجزها الضخم، بهدف تفادي أزمة مالية حذر خبراء من أنها سترهق لبنان المثقل بالأزمات، لكن الخطر ما زال قائما، فموافقة الحكومة على الميزانية المقترحة لم تتعدّ بعدها الشكلي إلى فرض التطبيق، كما أن هذه التطورات تأتي في خضم التصعيد الأميركي ضد إيران وحزب الله وتأثيرات ذلك على الإقتصاد اللبناني.
وفي هذا السياق سلطت بعض مراكز الابحاث والدراسات الضوء على المخاطر التي تواجه لبنان، ويقدّر الساسة في بيروت ضرورة الإصلاح والتقشف للحفاظ على ميزانية البلاد واقتصادها الأوسع، لكن، وفق رأي الخبراء، يفتقر لبنان إلى وجود قيادة قوية وموحدة بما فيه الكفاية لتكون قادرة على فرض إجراءات تقشفية.
وترجح الدراسات أن تخاطر القوى اللبنانية بدخول أزمة اقتصادية عوضًا عن مواجهة أزمة سياسية، ويعني هذا أنها ستنتظر المساعدات الأجنبية التي ستضطر القوى التي ترغب في منع نشوب حروب أهلية أخرى إلى منحها، وعليه استضافت فرنسا مؤتمر سيدر الذي قدم مساعدات بقيمة 11 مليار دولار.
لكن، جاء تقديم المساعدات مرفقا بشروط تشمل إجراء إصلاحات هيكلية وقطاعية ضرورية لضمان الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد، وتطوير التشريعات التي تحكم عمل القطاع الخاص وتحديث إجراءات القطاع العام.
لكن هذه الشروط تضع القوى السياسية في لبنان في موقف صعب، فمثلًا يحمل حزب الله، الذي يوصف غالبا بأنه دولة داخل الدولة، سلاحًا يمكّنه من فرض رأيه، خاصة في ظل التضييق الذي يواجهه بسبب العقوبات الأميركية، وفي ظل تصاعد المواجهة الأميركية الإيرانية، واحتمال اندلاع صراع بين حزب الله وإسرائيل.
الأمر الذي يشكل خطرا على البلد بشكل عام. وفي هذا السياق تشير الاستراتيجية الأميركية لمواجهة إيران إلى احتمال أن يأخذ شيعة لبنان، والبلد ككل، بذنب حزب الله حيث يمكن أن تمتد العقوبات التي تفرضها واشنطن إلى القطاع المصرفي اللبناني في محاولة للضغط على حزب الله.
إقرأ أيضًا: ماذا وراء رسالة تفجير طرابلس؟
وبطبيعة الحال، قد تدمر هذه الخطوة قطاعًا حساسًا، مما يؤدي إلى تفاقم الوضع المالي بشكل كبير.
وفي حال تحول الصراع الأميركي الإيراني إلى مواجهة عسكرية مباشرة، فمن من الممكن أن يؤدي ذلك إلى هروب المستثمرين، وقد يحاول حزب الله التدخل من خلال تهديد إسرائيل، ما يعني تفجير فوضى في الساحة اللبنانية. وستجد القوى نفسها في موقف حرج يستحضر فيه حزب الله القومية اللبنانية ضد القوى المعادية مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، مما يزيد من خطر الانتقام من الاقتصاد اللبناني، إن لم يصل الأمر إلى حد التدخل العسكري. وعندما يستقر الوضع من جديد، سيتعين على لبنان أن يتحمل تكاليف إعادة الإعمار التي من شأنها أن تزيد من مشاكله الاقتصادية.
ويلفت خبراء إلى أنه حتى لو لم يصل الصراع الأميركي الإيراني إلى هذا السيناريو، تبقى الأزمة قائمة، ما لم يجد الإقتصاد اللبناني مخرجًا طويل الأمد وفعّالًا، فلفترة طويلة، اعتمد لبنان على عمليات الإنقاذ للحفاظ على اقتصاده، لكن تعب المانحين ومكائد القوى التي تريد الاستفادة من لبنان كجزء من استراتيجياتها الإقليمية الأوسع أن هذه المساعدات لن تكون مفيدة كما كانت في الماضي.
لذلك المطلوب اليوم واكثر من أي وقت مضى الابتعاد كليًا عن سياسة شراء الوقت والبحث بشكل جدي عن اليات علمية ومنطقية وعملية لتجاوز المحنة.