وبغض النظر عن إمكانية إيجاد توافق بين دول شرق آسيا بسبب تحالفاتها الخارجية وخاصة مدى قربها من واشنطن فإن الاقتراح يبدو خطوة عملية لأن العملة المقترحة سيقتصر استخدامها على تسوية الواردات والصادرات.
وقال مهاتير محمد خلال مؤتمر في طوكيو “إذا أردتم التقارب في الشرق الأقصى فيجب أن نبدأ بعملة تجارة موحدة، لا تستخدم في التعاملات المحلية ويجب أن تكون مربوطة بالذهب لأنه أكثر استقرارا”، في إشارة إلى إقصاء الدولار كعملة وسيطة.
وأضاف أن تلك العملة المقترحة ضرورة ملحة لأن نظام الصرف الأجنبي الحالي يسمح بتأثر العملات بالعوامل الخارجية وتعرضها للمضاربات والتلاعب.
وسبق أن اقترحت الصين خطوة كبيرة في هذا الاتجاه في ذروة الأزمة العالمية في عام 2008 وطالبت بإصدار عملة احتياطات عالمية بين المصارف المركزية تكون تحت إشراف صندوق النقد الدولي بعد إصلاحه وخفض هيمنة الولايات المتحدة عليه.
وانتقد بوتين أمس بشدة “محاولات إخراج مجموعة هواوي الصينية للاتصالات من الأسواق العالمية بشكل غير رسمي” من جانب السلطات الأميركية بعد تضييق الخناق عليها بتهمة التجسس دون تقديم أدلة على ذلك.
وقال خلال الجلسة العامة للمنتدى الاقتصادي في سان بطرسبورغ، بحضور نظيره الصيني شي جينبينغ، “إن الاقتصاد العالمي دخل مرحلة الحروب التجارية، ولم تعد التجارة المحرك المطلق للاقتصاد العالمي”.
وأضاف أن المحرك الجديد، الذي يفترض أن يستند إلى التقنيات الحديثة لم يأخذ دوره ويبدأ العمل بكامل طاقته بسبب الحروب التجارية، في إشارة إلى سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وأشار إلى التصاعد المتسارع “للسياسات الحمائية، سواء المباشرة أو المخفية” مؤكدا أن “النموذج الحالي للعلاقات التجارية الدولية في أزمة رغم نمو الاقتصاد العالمي”. واقترح تأسيس بنك دولي للمعلومات.
وقال إن واشنطن تسعى لفرض هيمنتها على بقية الدول عبر الحروب التجارية والحروب الحقيقية وأن ذلك النهج يعزز اندلاع مواجهات بلا قواعد حيث يحارب الجميع بعضهم البعض ويكرس اختلالات المنافسة غير العادلة والحماية التجارية.
وقطعت بكين خلال السنوات العشر الماضية شوطا كبيرا في تخفيف اعتمادها على الدولار من خلال توسيع التعاملات مع الكثير من شركائها التجاريين بالعملات الثانية، وهو ما جعلها في صدام تجاري مع الولايات المتحدة من بوابة التبادل التجاري
وقد أبرمت الحكومة الصينية خلال السنوات الأخيرة اتفاقات ثنائية في هذا المجال مع الكثير من الدول في أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا وأوروبا الشرقية، إضافة إلى الكثير من الدول العربية مثل السعودية ومصر ودول شمال أفريقيا.
وتشير أبحاث إحصائية أجراها بنك مورغن ستانلي الأميركي إلى أن العملة الصينية اليوان تجاوزت اليورو لتصبح ثاني أكبر كتلة عملة في العالم، بعد الدولار.
وتظهر الأبحاث التي أجراها البنك باستخدام تحليل يعتمده صندوق النقد الدولي لتحركات العملات التي تحدد كتل الاحتياطات المالية، أن كتلة الرنمينبي (اليوان) تمثل الآن 28 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بفارق 8 بالمئة عن الدولار.
لكن كتل العملات لا تعكس بشكل واضح حصتها كعملة احتياطات عالمية، حيث تشير معظم بيانات صندوق النقد الدولي إلى استمرار هيمنة العملة الأميركية، والتي لا تزال يستأثر بنسبة 62 بالمئة.
ورغم ارتفاع حصة الرنمينبي الصيني من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية إلى مستوى قياسي فإنها لم تتجاوز 2.5 بالمئة في نهاية العام الماضي (بعد استبعاد احتياطيات الصين نفسها) مقارنة بنحو 1.5 بالمئة في نهاية العام السابق.
وبذلك تحتل العملة الصينية المرتبة الخامسة بعد كل من اليورو في المرتبة الثانية بحوالي 20.5 بالمئة يليه الين الياباني بحوالي 5.2 بالمئة والجنيه الإسترليني البريطاني بحوالي 4.4 بالمئة.
ويعود سبب الهيمنة التاريخية للدولار إلى سبعينات القرن الماضي حين تم تثبيت تسوية فواتير النفط بالعملة الأميركية، وهو ما أصبح يعرف باسم البترودولار، الأمر الذي عزز شبكة التجارة والتمويل القائمة على الدولار حول العالم.
سباق الهروب من الدولار
وتشير تقارير شركة إنفستك وبنك يو.بي.أس إلى تحول متسارع للابتعاد عن الدولار من قبل الكثير من الدول مثل روسيا، التي أصبحت تفضل العملة الصينية في أعقاب العقوبات الأميركية، الأمر الذي يعزز الاتجاه نحو تعدد الأقطاب المالية.
وبدأت حروب ترامب التجارية تفرض على الكتل التجارية الكبرى الالتفاف عليها بإبرام اتفاقات تجارية ثنائية مثل إبرام الاتحاد الأوروبي اتفاقيات للتجارة الحرة مع كندا واليابان والمكسيك، إضافة إلى التقارب الصيني الأوروبي.
وأعلنت مجموعة ميركوسور، التي تضم البرازيل والأرجنتين وأوروغواي وتشيلي أمس أنها تقترب من إبرام اتفاق للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي.
وقال الرئيس البرازيلي جاير بولسونارو في إعلان مشترك مع نظيره الأرجنتيني إن “توقيع اتفاق بين ميركوسور والاتحاد الأوروبي وشيك وسنكون جميعا رابحين من إبرام اتفاق كهذا”.
وتسارعت وتيرة الحوار بين ميركوسور والاتحاد الأوروبي منذ تولى بولسونارو الرئاسة. وتوقع وزير الاقتصاد باولو غيديس الثلاثاء استكمال توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الكتلتين في غضون “3 أو 4 أسابيع”.
وكانت مفوّضة التجارة الأوروبية سيسيليا مالمستروم قد أكدت اقتراب بروكسل وميركوسور من توقيع الاتّفاق. وقالت إن المفوضية الأوروبية قررت إبرامه قبل بدء ولاية المفوضية الجديدة التي ستنبثق عن الانتخابات الأوروبية التي جرت الشهر الماضي.