نقلت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، عن مصادر دبلوماسية غربية، أن مستقبل الوجود الإيراني في سوريا سيكون الملف الرئيسي على جدول أعمال اجتماع ثلاثي روسي-أميركي-إسرائيلي في القدس.
ويضم الاجتماع الثلاثي رؤساء مجلس الأمن القومي الروسي، نيقولاي باتروشيف، ونظيريه الأميركي، جون بولتون، والإسرائيلي، منير بن شابات.
مما لا شك فيه أن عرضا كهذا وارد الحدوث، لكن النظر إلى قضية الوجود الإيراني في سوريا غير ممكن بمعزل عن بقية المشهد في المنطقة.
فهناك "صفقة القرن"، التي تحركها الولايات المتحدة الأميركية، والتي تتضمن، وفقا للتكهنات، ليس فقط الاعتراف بحدود جديدة، وإنما أيضا غلق ملف العودة للاجئين الفلسطينيين، الذين سوف تمنحهم الدول العربية المستضيفة جنسياتها، وفقا للصفقة، في مقابل مساعدات اقتصادية أميركية.
على صعيد الدول العربية المجاورة لإسرائيل، فإنها لا تعاني من أزمات اقتصادية خانقة تضعها على حافة الهاوية فحسب، وإنما قامت تلك الدول عمليا بالتطبيع مع إسرائيل.
لكن، ماذا بشأن سوريا؟
إن "صفقة القرن" لن تنجح دون تطبيع بين إسرائيل وسوريا، وضمّ دمشق إلى الخطة المقترحة. وطالما ظل هناك من لا زال يسعى لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم، فستبقى تنازلات الآخرين غير ذات معنى، ولا تساوي إلا القليل، وما ضاع حق وراءه مطالب.
لقد انتصر الرئيس السوري، بشار الأسد، في الحرب الأهلية، وهو الآن من يتحكم لا في مستقبل سوريا وحدها، وإنما في مصير القدس والقضية الفلسطينية أيضا.
وفي واقع الأمر، فإن الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل يرغبون في تطبيع العلاقات مع سوريا أكثر من أي دولة أخرى، ويحتاجون بشدة إلى موافقة الأسد على "صفقة القرن". فاستمالة الرئيس السوري، وانضمامه إلى معسكر حلفاء أميركا، كانت لتحل كثيرا من القضايا بالنسبة للولايات المتحدة ولإسرائيل. ودول الخليج هي الأخرى تحلم بذلك.
وبالطبع، فإن ذلك بإمكانه أن يزيح إيران، بل وروسيا أيضا من سوريا، مهما كانت الضمانات التي يمكن أن تمنحها الولايات المتحدة بهذا الشأن الآن. فوعود واشنطن، كما هو معروف لروسيا أكثر من أي أحد آخر، لا تساوي شيئا.
فلا الرئيس الأسد، ولا روسيا، ولا إيران بمفردهم من القوة بحيث يضمنون أمن وإعادة إعمار وتنمية سوريا، لكن ثلاثتهم معا يكمّلون بعضهم البعض، بعد أن تأكدت، بالتجربة العملية، فعالية هذا التعاون الثلاثي. لهذا يبدو تبديل الإنجازات الواقعية، المكتوبة بالعرق والدماء، بوعود أمريكية براقة، هو أمر لن يغري أيا من أطراف الأزمة السورية، بما في ذلك روسيا.
إنهم يريدون بعرضهم أن تتنازل موسكو بإطلاق الرصاص على قدميها؟! خاصة وأن الضمانات الأمريكية في سوريا يمكن ألّا تساوي شيئا، في حالة تصعيد الوضع على جبهة أوكرانيا، بمعنى أن أي تنازلات روسية في سوريا غير ممكنة، إلا لو تضمّن ذلك تطبيع العلاقات الروسية الأمريكية بشكل إجمالي.
وهذا أمر غير وارد، لأن الولايات المتحدة الأميركية تعاني الآن من هيستيريا فقدان الهيمنة العالمية، وتنخرط في حروب مع العالم بأسره. بل من الواضح أنه حتى فقدان أمريكا لهيمنتها، وتصالحها مع وضع الدولة القوية في محيطها الإقليمي مع طموحات متواضعة، لن يغير من سلوكها.
لذلك، لا أعتقد أن صفقة ثلاثية تتعلق بالوجود الإيراني في سوريا ممكنة. ويجب التعامل مع الأنباء الواردة في "الشرق الأوسط" بهذا الشأن في إطار الحرب الإعلامية، التي تهدف إلى زرع الشك، وخلق الفرقة بين الأطراف المنتصرة في سوريا.
ومثل هذه الصفقة، كـ "صفقة القرن"، التي لن يكون لها مصير سوى الفشل، ولن تعيش، إذا ما تمّت، أطول من عمر الولايات المتحدة الأمير كية على عرش الهيمنة العالمية، الذي لن يتعدّى 10 سنوات. ثم يعود الشرق الأوسط وفلسطين بعد ذلك إلى ساحة الصراع، وتعود قضية القدس للواجهة من جديد.