الترقّب سيّد الموقف في المنطقة، والواقع العربي، تبعاً لردود افعال دول المنطقة، يتجاذبه قلق من تفاقم الأوضاع واتساع رقعة التوتر وانحدارها الى الأسوأ، مع رسم علامات استفهام حول الانهيار السريع في السودان، وبالتالي حول مستقبل هذا البلد، وكذلك حول التدهور المتزايد على الجبهة السورية، وما اذا كان ذلك مقدمة لاحتمالات مشتعلة تتطاير شظايا على دول المحيط.
تقارب مصادر ديبلوماسية اوروبية هذه التطورات بحذر بالغ، وتقول لـ«الجمهورية»: «انّ صورة المنطقة لا توحي بالاطمئنان، وكأن الأمور سائرة نحو إعادة خلط للاوراق في كل النقاط الساخنة، ليس بالضرورة ان يكون لبنان داخلها، بل شأنه شأن سائر دول المنطقة التي يتوجب عليها ان تحتاط حتى لا تكون عرضة للتأثر بالتداعيات».
سفراء يأسفون وعتب على الحكومة
ورغم التطمينات التي ترد من هنا وهناك في كثير من الأحيان، إلّا أن قسماً هاماً من هذه التطمينات تبدد، وكان قد نقلها مسؤولون دوليون إلى السلطات اللبنانية بشأن المحافظة على استقرار لبنان رغم الصخب العسكري في المنطقة. فخطاب السيد حسن نصرالله الأخير بما تضمنه من مواقف عالية السقف بالنسبة لتصنيع الصواريخ وضرب المصالح السعودية والإماراتية والأميركية في لبنان والمنطقة أثارت إمتعاضاً كبيراً لدى أصدقاء لبنان.
وقد عبّر أمس سفراء وملحقون عسكريون معتمدون في لبنان عن قلقهم من هذا الكلام الذي لا يتوافق مع الوعود التي قطعها رئيسا الجمهورية والحكومة بشأن التزام الدولة اللبنانية القرارات الدولية ونأيها عن أي تدخّل في أي حرب تندلع في المنطقة. وأضافوا أن هذه الإزدواجية تضعف الموقف اللبناني في هذا الظرف الدقيق وتعرّض أمنه للخطر.
وأعرب هؤلاء السفراء عن أسفهم لعدم صدور بيان واضح ورسمي عن الحكومة اللبنانية رداً على تهديدات نصرالله، حيث تؤكد الحكومة علناً ما المواقف الجيدة التي يردّدها المسؤولون اللبنانيون في الإجتماعات المغلقة مع السفراء والمبعوثين الأجانب. ويعتبر هؤلاء السفراء أن المجتمع الدولي، ولاسيما الدول الأعضاء في مجلس الأمن، يحتاج إلى موقف علني رسمي لبناني لمواجهة إسرائيل في حال إعتدائها على لبنان، إذ يستطيع مجلس الأمن حينئذ أن يبلغ إسرائيل بوجود تمايز رسمي بين الدولة اللبنانية و«حزب الله»، ويدعوها إلى تحييد لبنان.
وأبلغ أحد السفراء الأوروبيين «الجمهوريّة» أن زملاءه يتشاورون في مدى فائدة الإتصال مجدداً بالمرجعيات اللبنانية للتشاور في المستجدات الأخيرة، خصوصاً وأن الأجواء في المنطقة غير مضبوطة بين إيران وأميركا. ويخشى هؤلاء من أن يؤدي التصعيد المتمادي أمنياً وعسكرياً وسياسياً وإعلامياً إلى تطورات غير حميدة، رغم أن إيران وأميركا لا تزالان تعلنان عن عدم رغبتهما في القتال.
وفي هذا الإطار، علمت «الجمهورية» من مصادر جنوبية معنية بالوضع الأمني هناك، أن ملحقين عسكريين يعملون في لبنان وتابعين لدول أساسية في مجلس الأمن الدولي، زاروا، كل واحد على حدة، جنوب لبنان الأسبوع الماضي للإطلاع عن كثب على طبيعة الوضع هناك واستكشاف مدى تطبيق بنود القرار 1701.
وهي المرة الأولى منذ زمن طويل تحصل فيها هذه الزيارات، إذ كان الملحقون العسكريون يكتفون عادة بالتقارير والمعلومات التي ترسلها لهم قيادة القوات الدولية في الجنوب. لكن تطورات الأسبوعين الماضيين في إسرائيل ولبنان والمنطقة حتمت الإطّلاع المباشر. وقد عاد الملحقون بقناعة موحدة هي أن هناك ثغرات أساسية في تطبيق هذا القرار وبخاصة جنوب الليطاني. ويستبعد هؤلاء الملحقون العسكريون أن تقتنع إسرائيل بأن الدولة هي صاحبة السلطة الأساسية والوحيدة في الجنوب عموماً وعلى الحدود.
من جهة أخرى ترك الموقف الذي أطلقه العماد جوزيف عون بخصوص الجيش اللبناني ارتياحاً لدى الرأي العام اللبناني إذ رفض المس بحقوق المؤسسة العسكرية وضباطها وجنودها وآليات عملها. واعتبر مصدر سياسي معارض أن العماد جوزيف عون لا يسعى إلى إنقاذ موازنة الجيش فقط، بل دور الجيش اللبناني ووحدته وقدراته العملانية بخاصة في هذه المرحلة.
«صفقة القرن»
في هذه الاجواء، كان لافتاً انّ واشنطن التي سعت الى تقديم «صفقة القرن» كأحد أبرز إنجازات ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب، سارت على الخط المعاكس للتحضيرات الاميركية لهذه الصفقة، والتوقعات بحتمية اعلانها كفرصة لتسوية اسرائيلية- فلسطينية، وذلك عبر وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو بـ«أنّ هذه الخطة غير قابلة للتحقيق، وقد لا تحقق النتائج». ووفق ما كشفت صحيفة «واشنطن بوست» الاميركية، فإنّ بومبيو كان يتحدث في اجتماع مغلق مع رؤساء أكبر المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة، الذي انعقد في 28 ايار الماضي، واقرّ صراحة بصحة الرأي القائل، «إن الخطة يمكن أن تفيد الحكومة الإسرائيلية فقط»
ويأتي موقف بومبيو على مسافة ايام من حديث مهندس الصفقة مستشار الرئيس الاميركي وصهره جاريد كوشنر، عن «توجّه لتأجيل صفقة القرن حتى إشعار آخر».
مصادر ديبلوماسية عربية
وقالت مصادر ديبلوماسية عربية لـ«الجمهورية»: «انّ صفقة القرن تعرّضت لانتكاستين، الاولى الرفض الفلسطيني لها، والحذر الذي عبّرت عنه بعض الدول العربية حيالها، وآخرها مصر التي اعلنت انّها لن توافق على ما لا يوافق عليه الفلسطينيون. واما الثانية فهي من اسرائيل مع تصويت الكنيست الإسرائيلي على قانون حلّ «الكنيست»، تمهيداً للتوجّه إلى انتخابات عامة ستجري نهاية آب أو بداية أيلول المقبلين».
وبحسب المصادر عينها، فإنّ نعي صفقة القرن من قِبل بومبيو نفسه، وهو كان من اشد المتحمسين لها، قد يشكّل انتصاراً لمعارضيها، ويكون محبطاً لداعميها. الّا انّه في الوقت نفسه، قد يشكّل فرصة لانتقال معدّي الصفقة الى مربّعات اخرى، تذكّي التوتر فيها، إن مع إيران، وهو الامر الأكثر ترجيحاً بتصعيد حدّة الخطاب العدائي تجاهها، او في الميدان السوري المشتعل، حيث تبدو الغارات الاسرائيلية التي تصاعدت فجأة بعد فترة من التوقف، وكأنّها رسائل اسرائيلية اعتراضية على فشل الصفقة.
حزيران: مشاكل!
اما لبنانياً، فـ«إنّ حزيران غلب أيلول»، وإذا كان يُقال انّ «ايلول طرفه بالمطر مبلول»، فها هو «حزيران من بدايته بالمشاكل غرقان».
هذه الصورة يرسمها مرجع سياسي في معرض توصيفه للواقع السياسي الذي لفحته السخونة السجالية من بداية هذا الشهر، وضربت معظم الجبهات السياسية، التي اعادت نصب المتاريس بين بعضها البعض، وتتقاذف ما طاب لها من نعوت واوصاف، القت المشهد السياسي بما فيه من تفاهمات وتسويات و«تحالفات موقتة»، في رمال متحرّكة تهدّد بابتلاعها.
هزّة بدن وهزّة عصا!
وفي هذا السياق، يقول المرجع لـ«الجمهورية»: «التسوية السياسية والرئاسية القائمة، كانت كطابة «بينغ بونغ» بين لاعبين، تعرّضت من الأول لـ«هزّة بدن»، واما الثاني فهزّ لها العصا». والجدير ذكره، هنا انّ حدّة السجال تراجعت في الساعات الماضية بين طرفي التسوية، «التيار الوطني الحر» و«تيار المستقبل»، ولكن من دون ان تتوقف، وايضاً من دون ان يُسجّل اي تواصل على المستوى القيادي بين الطرفين.
رؤساء الحكومات السابقون
وعلى الخط السجالي، لفت الانتباه امس، اجتماع لرؤساء الحكومات السابقين: نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة وتمام سلام، في دارة الاخير، صدر على اثره بيان اهابوا فيه برئيس الجمهورية العماد ميشال عون «وضع حدّ نهائي للمواقف والممارسات المستفزة والمتمادية التي تنال من هيبة العهد ومكانته» واعربوا عن استغرابهم وأسفهم للمواقف التي عبّر عنها الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله المعترضة والنازعة عن رئيس الحكومة اللبنانية حقّه في الإعلان عن موقف لبنان في مؤتمري القمتين العربية والإسلامية، لجهة التضامن مع الأشقاء العرب، ولاسيما أنّ رئيس الحكومة هو الذي أولاه الدستور الصلاحية في تمثيل الحكومة والتكلم باسمها».
«عيدية» الدستوري
وإضافة الى تلك المشاكل، زيدت عليها في الساعات الماضية، «العيدية» التي قدّمها المجلس الدستوري الى الحكومة المهتزّة سياسياً، بإبطال جزئي لخطة الكهرباء، في قرار اشبه بالصفعة القوية لهذه الخطة، مكّن من خلاله المعارضة الخجولة في مجلس النواب، من تسجيل هدف موجع في مرمى الحكومة، التي القى عليها هذا الإبطال عبئاً اضافياً وثقيلاً قد يكون من الصعب عليها تحمّله، او تعويضة بصيغة بديلة تعوّض عليها هذه الخسارة التي لم تكن تتوقعها.
مرجع قانوني
وسألت «الجمهورية» مرجعاً قانونياً حول هذا «الإبطال الكهربائي»، فقال: «لا يمكن قراءة قرار المجلس الدستوري من خلال ما ورد في فقرته الحكمية على أهميته بإبطال الاستثناء من أحكام قانون المحاسبة العمومية لصفقات تلزيم معامل تعتمد طريقة التصميم والتمويل والإنتاج والتشغيل والتسليم للدولة اللبنانية، في مراحل إتمام المناقصة، لما قيل انّها احكام لا تتفق مع طبيعة التلزيم والعقود موضوعها».
ولفت المرجع الى انّ «إبطال هذا الاستثناء غير الواضح وغير المحدد هو تحصيل حاصل، عملاً بقاعدة تقليدية معروفة بأنّ القوانين وُضعت لتُطبّق احكامها بشمولية، ويُعمل بها من قِبل الجميع عملاً بمبدأ المساواة امام القوانين وسائر المبادئ والقواعد الدستورية ذات الصلة.
على انّ الأهم من إبطال الاستثناء، هو انّ المجلس الدستوري وضع في بناءاته لما توصل اليه، مجموعة ضوابط للقانون الذي طُلب منه إبطاله، ولو بصورة غير مباشرة وبشكل الردّ على دفوعات الإبطال:
- اولاً، لا يمكن فصل القانون المطعون فيه عن القانون رقم 462/ 2002 تنظيم قطاع الكهرباء، ولا عن قانون المحاسبة العمومية، الذي اصبح بموجب هذا القانون قاعدة لكل التلزيمات المتعلقة بتنظيم قطاع الكهرباء، يُطبّق عليها كما النصوص القانونية ذات الصلة وفي مقدمها نظام المناقصات، هذا يعني ان كل صفقات تنظيم قطاع الكهرباء باتت، وبنص قانوني صريح، خاضعة لإدارة المناقصات.
- ثانياً، لم يكتف المجلس الدستوري في بناءات قراره بالقول بالخضوع الكامل لصفقات تنظيم قطاع الكهرباء للهيئات الرقابية وقانون المحاسبة العمومية، بل راح في الصفحة (4) يعدّد هذه القواعد لناحية الإعلان والأصول المتعلقة بدفاتر الشروط الخاصة الخاضعة بالكامل لتدقيق إدارة المناقصات وطريقة اجراء المناقصات والجهة التي تجريها وهي إدارة المناقصات. وكلها أمور كانت وزارة الطاقة تنكر على إدارة المناقصات، حتى مرحلة ما بعد إقرار القانون حق إجرائها، او التدقيق فيها. فجاء قرار المجلس الدستوري ليؤكّد على الصلاحيات الشاملة لادارة المناقصات وكأنّه يحسم أي نزاع بين الوزارة والهيئة الرقابية سلفاً قبل حصوله.
- ثالثاً، اكّد المجلس الدستوري في الصفحة (5 -6) من قراره انّ وزارة الطاقة مُلزمة عند وضع دفتر الشروط الخاص بالصفقة باعتماد الأسس التي يحدّدها قانون المحاسبة العمومية والنصوص ذات الصلة المتعلقة بأصول التلزيم، وبالتالي خضوع دفتر الشروط الذي تعدّه الوزارة وفنيوها ومستشاروها واستشاريوها للتدقيق الشامل من قِبل إدارة المناقصات وفقًا للمنصوص عليها في المادة 17 من نظام المناقصات».
ولفت المرجع، الى انّ «اهمية قرار المجلس الدستوري، هي في إعادة كل مناقصات تنظيم قطع الكهرباء الى كنف قانون المحاسبة العمومية ونظام المناقصات وإدارة المناقصات»، الا انّه تساءل في ختام تقييمه: هل سيُطبّق القانون 129 تاريخ 30 نيسان 2019 وفقًا للقواعد والضوابط التي أوردها المجلس الدستوري في قراره رقم 20 تاريخ 3-6-2019؟ ام سنكون امام استمرار لمسرحية قديمة تقوم على مخالفة القانون بحجة المصلحة العامة او السرعة او العجلة؟».
الجميل
الى ذلك، رحّب رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل، وهو احد مقدّمي مراجعة الطعن بالقانون المتعلق بخطة الكهرباء الى المجلس الدستوري، بقرار الإبطال وقال: «ما يهمّنا يكمن أولاً في تصويب البوصلة ومنع ارتكاب الأخطاء. فمنذ اليوم الأول، قلنا إن هذا القانون لا يعطي إطاراً قانونياً واضحاً لإجراء المناقصات، وهو ما يفتح الباب واسعاً أمام كثير من الشواذات والثغرات، وهذا القرار يجب أن يكون حافزاً للجميع للالتزام بالقوانين المرعية الاجراء».
تمديد الصرف
على صعيد آخر، عقدت لجنة المال والموازنة اولى جلساتها في المجلس النيابي في حضور وزير المال علي حسن خليل واكثر من 50 نائباً، وناقشت فذلكة موازنة العام 2019 ، واقرّت في جانب آخر من الجلسة مشروع القانون الرامي الى تمديد الصرف على القاعدة الإثني عشرية الى الخامس عشر من تموز 2019 بدلاً من آخر حزيران كما كان وارداً في مشروع القانون المحال من الحكومة.
وعُلم أنّ رئيس لجنة المال أنهى الليلة الماضية تحديد جدول الجلسات الصباحية والمسائية المخصصة لمواد الموازنة واعتماداتها، وآخرها بحسب الجدول في ٢٨ حزيران ما يتيح إقرارها في الهيئة العامة بداية تموز.