لم يكن الهلال في منظومة تشريع الصّوم سوى آليّة مشيرة لتسجيل بداية الشّهر ونهايته وفق الّلحظة الجغرافيّة الّتي كان يعيشها العرب وبداوتهم وأمّيّتهم، ولو كانت السّماء قد طلبت من النّبي محمّد "ص" أن يُبيّن للنّاس كيفيّة الصّوم وتاريخه وهو يعيش في روما أو پاريس مثلاً لاعتمد على أشهرهم الميلاديّة المنضبطة دون شكّ وريب؛ لأنّ الاستمرار في الفوضى والّلا انضباط المُقرّة لظروف ترتبط بقابليّة القابل أمرٌ لا ينسجم مع طبيعة المشرّع وفرضيّة عالميّة الشّريعة.
أجل؛ إنّ الاعتقاد بوجود قيمة موضوعيّة لرؤية الهلال في بلد الصّائم ولو بالعين المسلّحة ما هو إلّا تعرّب بعد الهجرة العلميّة ورجوع من الفعليّة إلى القوّة مهما قدّمنا لهذا الاعتقاد من بيانات صناعيّة، ومتّى ما غادرنا لغة التّعبّد الأعمى في أمثال هذه المفردات انسياقاً مع مفاهيم أشتقّت من فكرة الإمامة الإلهيّة الإثني عشريّة أو الفهم الحرفيّ ليوميّات النّبيّ محمّد "ص" وممارساته ونصوصه، فسوف نوفّق حينها في فهم فلسفة الصّوم وشروطه وأهدافه؛ وهذا الأمر لن يكون إلّا بخلع طوق التّقليد والانقياد من أعناقنا دون خوف ووجل، فليُتأمل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.