لو أراد شامتٌ مُغرض أن يشمت بالرئيس سعد الحريري هذه الأيام لاستعان بالوزير جبران باسيل، والذي لا يترك مناسبة أو حملة استعراضية، أو منبر دعائي إلاّ ويُوجّه سهام النقد اللاذع للحريري سعياً وراء قضم ما تبقّى من صلاحيات رئيس الحكومة وهيبته ومكانته، وكان الحريري قد بدا أثناء معركة رئاسة الجمهورية الأخيرة رجُلاً قليل الخبرة، محدود الدراية، ضيّق الحيلة عندما اندفع لانتخاب ألدّ أعدائه رئيساً للجمهورية، وتمكين صهره الوزير جبران باسيل من مفاصل الدولة المتهالكة أصلاً، مدعوماً بقوة حليفه الأساسي حزب الله التي لا تُضاهى أيام المعركة الرئاسية وبعدها، ولو اقتصر الأمر على ذلك لهان الأمر، فقام بعد ذلك بتوهين عضده، بالنَّيل من رجالات تيار المستقبل "الاشاوس"، بدأها بإبعاد النائب السابق مصطفى علوش عن الندوة البرلمانية، ثمّ أكملها باستبعاد وزير العدل السابق اللواء أشرف ريفي واستعدائه، ووضع الرئيس فؤاد السنيورة في خانة الاحتياط، بعد إخراجه من رئاسة الحكومة وعضوية المجلس النيابي، كما جرت التضحية بوزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، كما تمّ إبعاد خيرة رجالات تيار المستقبل عن دائرة الضوء والفعالية، ليستعيض عنهم بنوابٍ يرتكبون الأخطاء والعثرات أكثر ممّا يُحسنون الفضائل والمكارم( رولا الطبش في بيروت وديما الجمالي في طرابلس)، وأكمل الحريري عدّة مواجهته للوزير جبران باسيل وطموحاته بتوزير السيدة ريّا الحسن في وزارة الداخلية، والتي ردّت على تهجّمات وتخرّصات باسيل بحقّ الرئيس سعد الحريري(وحقّ البلد بأكمله) بردٍّ "ناعم" مُخاطبةً إياه بالزميل" العزيز"، وتُضمّن كلامها الموجّه له بكل "الاحترام والتقدير "، وكل ما ترجوه أن يستمر باسيل بأداء مهامه الناجحة في وزارته (الخارجية)، وأن "يتكرّم" بتركها تُصرّف شؤون وزارتها(الداخلية) بسلام، في حين جاء الرّد الصاعق من اللواء أشرف ريفي، مُفنّداً زلاّت وفضائح باسيل الذي يُحاضر "بعفّة" الصلاح ومحاربة الفساد، وهو صاحب بواخر الكهرباء سيّئة الصّيت، وهو الوزير الذي يُفاخر بكونه ربيب مؤسسات الدولة وجيشها، لا إبن الميليشيات"الساقطة"، وهو الجالس على كرسيّ الحكم بفضل سلاح "الميليشيات" الخارج عن كل سيطرة للدولة وجيشها وسيادتها، وهو بعينه الوزير الذي يدّعي وراثة المارونية السياسية، وهو رجُل الشعبوية والطائفية والفئوية والفساد بلا مُنازع، في حين كانت هذه الفئة قد بنت مداميك وطن ودولة ونظام، وخرج من صفوفها خيرة رجالات لبنان السياسية.
من طبائع الأمور أن يجني المرء ما زرع وحصد، والحريري جاءت حسابات "الحقل" عنده شديدة الاختلاف عن حسابات "البيدر" باعتماد الجنرال عون رئيساً للجمهورية، قال أبو الصفدي الحارثي: كان الحجّاج أحمق، بنى مدينة واسط في بادية النّبط ثمّ قال لهم: لا تدخلوها، فلما مات دلفوا إليها من قريب.، وقال معاوية لعمرو بن العاص: إنّ أهل العراق قد قرنوا بك رجُلاً طويل اللسان، قصير الرأي( يعني به أبا موسى الأشعري في التّحكيم المشهور)، فأجدَّ الحزّ وطبّق المفصل، وإياك أن تلقاهُ برأيك كلّه.
إقرأ أيضًا: من كلودين عون إلى هنادي بري..النّسف النسائي من الداخل