تفيد بعض المؤشرات، أن مسار المسعى الأميركي لترسيم الحدود بين لبنان و"إسرائيل" سيتعرقل. جملة أسباب ستخفف الإندفاعة الأميركية، وجميعها مرتبط ببعضها البعض، وإن كانت قد تُوِجت بالتحضير الإسرائيلي لانتخابات مبكرة.
دعم نتنياهو
فشل بنيامين نتنياهو في تشكيل حكومة، حتّم الذهاب إلى انتخابات مبكرة. ما يعني تأجيل العديد من الملفات، التي تبدأ بعملية ترسيم الحدود مع لبنان، ولا تنتهي بتأجيل "صفقة القرن"، مع بروز موقف أميركي يتراجع عن موعد إعلانها في الشهر الحالي.
في الأثناء، سيعمل نتنياهو على تجميع المزيد من أوراق القوة لديه، والتي ستتجلى بالقمة الأميركية الروسية التي ستعقد في تل أبيب. ما يعني أنه لا بد من انتظار المزيد من الهدايا التي سيتلقاها الرجل، الذي يرتبط بكل من دونالد ترامب وفلاديمير بوتين بعلاقات أكثر من وثيقة. كل الهدايا التي تلقاها نتنياهو ما قبل الانتخابات، من نقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، ربطاً بهدايا بوتين من رفات وتفاهمات ضمنية حول الساحة السورية، لم تسهم في حسم انتخابي يتيح له تشكيل الحكومة كما يشتهي. لذا، مسار الهدايا الإضافية لتدعيم موقفه الانتخابي سيتصاعد أكثر من الآن حتى شهر أيلول.
النفط والصواريخ
لن يكون الملف اللبناني بمنأى عن هذه الهدايا. وفيما حاول لبنان أكثر من مرّة الرهان على فصل عملية الترسيم عن الملفات الأخرى، وصولاً ذات مرّة إلى الرهان على أن تلعب موسكو الدور البارز في إنجاز التسوية، إلا أنه أصيب بخيبات متتالية، خصوصاً مع إصرار الأميركيين على أن تكون مساعي عملية الترسيم منوطة بهم وليس بغيرهم. وهذا ما انعكس رسائل أميركية واضحة إلى شركات التنقيب عن النفط في البلوكات الجنوبية، فحواها أن لا أعمال تبدأ قبل حسم مسألة الترسيم، وتوفير الاستقرار اللازم لانطلاق أعمال هذه الشركات. بند توفير الاستقرار (أمن إسرائيل) يرتبط بحلّ مسألة صواريخ حزب الله الموجهة والدقيقة في الجنوب.
لم تكن موسكو تمانع أن يبدأ العمل من دون حلّ مشكلة صواريخ حزب الله. وهذا ما راهن عليه لبنان أكثر من مرّة، في إيلاء الكرملين مهمة حلّ هذه المعضلة، إلا أن واشنطن وقفت سداً منيعاً بوجه ذلك. وقرار واشنطن واضح في هذا المجال، منذ التحركات الأولى التي بدأها ديفيد ساترفيلد على خطّ مفاوضات الترسيم، قبل سنة ونصف تقريباً. خلال الزيارة الأخيرة التي أجراها ساترفيلد إلى لبنان، قبل الانتخابات النيابية، وضع بعض الشروط لإنجاز عملية الترسيم. وحينها طرح على الطاولة ملف سلاح حزب الله. وحسب ما تؤكد المعلومات، فإن ساترفيلد طالب بشكل لا لبس فيه من الحكومة اللبنانية بالعمل مع حزب الله لإزالة الصواريخ الموجهة والبعيدة المدى، والتي تعتبرها إسرائيل كاسرة للتوازن، من المنطقة الجنوبية على الأقل. وحينها لم يقدّم لبنان أي خطوة على هذا الطريق. فتوقفت المبادرة الأميركية، وبدأ الضغط من خلال موقف نتنياهو في الأمم المتحدة، وكشفه عن وجود مصانع صواريخ لحزب الله بالقرب من المطار وفي الجنوب، واستكملت الحملة بالكشف عن الأنفاق، وبالحديث عن مواقع الصواريخ الدقيقة ومصانعها.
بين أميركا وإيران
وصلت رسالة واضحة ورسمية إلى وزارة الخارجية اللبنانية، التي سارع الوزير جبران باسيل إلى نفيها، من خلال الجولة التي قام بها في المواقع المزعوم أنها تحوي مصانع الصواريخ. توقفت المساعي حينها، وعادت لتتحرك بالتزامن مع تشديد العقوبات على إيران. لكنها حتى الآن لم تصل إلى أي نتيجة، خصوصاً أن ساترفيلد في أثناء تجديد مساعيه، عاد وطرح مسألة الصواريخ، وضرورة التخلص منها طالما لبنان مستعجل لإنجاز الترسيم واستخراج النفط. لكن هذا الطرح جوبه بمعارضة شرسة من قبل حزب الله. وهذا ما تحدث عنه الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله في يوم القدس، رافعاً سقف التهديد إلى أقصاه، معتبراً أنه بحال استمرت السياسة الأميركية على هذا المسار، فإن الحزب سيعمل على إنشاء مصانع للصواريخ.
المعادلة أصبحت واضحة، إسرائيل وواشنطن تريدان إيجاد حلّ لمسألة الصواريخ مقابل ترسيم الحدود، بينما حزب الله يرفض ذلك قطعياً. ما يعني أن هذا التضارب في المواقف، بالإضافة إلى انشغال الإسرائيليين بانتخاباتهم المبكرة، قد يؤجل البحث في أي تسوية، أو قد يدفع نتنياهو لإيجاد صيغة معينة للترسيم ترضيه داخلياً ليستثمر فيها انتخابياً. إلا أن ذلك سيكون مرهوناً بالموقف الإيراني وبالتصعيد بين طهران وواشنطن.
لكن ثمة ملاحظة لا بد من تسجيلها، فكل الهدايا التي منحت لنتنياهو لم تمكّنه من تشكيل حكومة. لذا، قد يكون بحاجة إلى تغيير في بعض قواعد اللعبة، خصوصاً في أعقاب التهديدات التي أطلقها نصرالله، باسم كل محور الممانعة وباسم إيران، للعمل على إسقاط صفقة القرن. هذا الكلام ينطوي على تهديدات واسعة المجالات، قد تتضمن ميادين وأفعال عدة، كإطلاق الصواريخ من الأراضي السورية باتجاه الجولان المحتل، والتي استدعت رداً إسرائيلياً، أو من خلال الهجمات التي تقوم بها حركة الجهاد الإسلامي، والتي قد تتطور إلى تغيير قواعد الاشتباك، بحال عدم حصول تقدّم على طريق المفاوضات بين واشنطن وطهران. حينها سيبحث نتنياهو عن إنجاز بتدمير الصواريخ، بينما إيران ستكرّس منطق توحيد الجبهات المفتوحة والعمل على إسقاط صفقة القرن.
بكل الأحوال، ومهما تغيّرت قواعد هذه اللعبة، فإن أي تصعيد عسكري سيؤدي في نهايته إلى الجلوس على طاولة المفاوضات. لكن الخوف اليوم هو أن الوصول إلى تلك الطاولة قد يكون باهظ الثمن، وعبر طريق طويلة وشاقة.