وعلى مدى السنوات الماضية كانت العلاقة بين العبادي ونوري المالكي متوترة، إذ حمّل العبادي زعيم حزبه مسؤولية سيطرة داعش على مساحة ثلثي البلاد عندما كان المالكي رئيسا للحكومة عام 2014.
ولدى المالكي مصلحة كبرى في البقاء على رأس حزب الدعوة، للحفاظ على مكانته وضمان الحصانة ضدّ محاسبته على استشراء الفساد في البلاد طيلة ولايتيه على رأس الحكومة، ونهب المال العام وإسقاط ما يقارب ثلث مساحة العراق بيد تنظيم داعش وما نتج عن ذلك من كوارث ستستمر نتائجها لعقود من الزمن.
ولم يجن حيدر العبادي شيئا يذكر من انفصاله عن “رئيسه” في الحزب نوري المالكي وخوضه الانتخابات الماضية ضمن كتلة مستقلة أطلق عليها تحالف النصر، كما لم يفده قربه من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في الدفاع عن منصبه، بل حتى في الوصول إلى منصب وزير الخارجية الذي تقول المصادر إنّه سعى للحصول عليه بعد أن استُبعد من رئاسة الوزراء.
ولا يعول المتابعون كثيرا على انسحاب العبادي من قيادة حزب الدعوة، لأن الحزب يعاني بالأساس من شبه انفراط عقده السياسي منذ التقدم للانتخابات البرلمانية بقوائم منفصلة.
واستبعد مصدر سياسي عراقي أن ينجح العبادي في تشكيل كتلة داخل الحزب تتبعه، لذلك فإن انسحابه من مناصبه القيادية في الحزب لن يؤدي إلى تصدع الموقع القيادي الذي يحتله نوري المالكي الذي بات تأثيره على الحياة السياسية يشحب تدريجيا، بحيث أصبح الرجل الذي جر العراق إلى هاوية الفساد والحرب الأهلية أشبه بشبح يتوارى خلف زعماء الميليشيات التابعة لإيران والتي يعتقد أنها تشكل السد الأخير الذي يحميه.
وقلل مراقب سياسي عراقي من أهمية انسحاب العبادي، لأن الاستقالة جاءت بعد أن فقد قيمته السياسية، مؤكدا أنه “ما من دور يلعبه العبادي في الحياة السياسية في العراق اليوم. إن بقي في حزب الدعوة أو أنسحب منه فإن الأمر سواء”.
وقال المراقب في تصريح لـ “العرب”، “لا يؤثر ذلك على نفوذ حزب الدعوة وليس له أدنى تأثير على مصير الدولة العراقية. لو أنه فعلها يوم كان رئيسا للوزراء لاتخذ قراره طابعا تاريخيا ولصنع مسارا سياسيا آخر للدولة العراقية. فلو أنه وضع نهاية لحكم حزب الدعوة عام 2014 لكان في إمكانه أن يتحرك في كامل المساحة التي يضمنها له منصبه ولاستطاع أن يحول دعوته النظرية إلى الإصلاح إلى برنامج عمل واقعي”.
وأضاف “غير أن استمرار ارتباطه بعجلة حزب الدعوة سمح لماكنة الفساد بالاستمرار في العمل وحال دون إقامة قضاء نزيه يتمكن من مساءلة الفاسدين”.
وجاءت استقالة العبادي في وقت يشعر فيه أعضاء حزب الدعوة بأهمية تماسك “عصبتهم” خشية أن يسعى رئيس الحكومة الحالي إلى تفكيك مفاصل دولتهم السرية القائمة داخل الدولة العراقية. فعبدالمهدي الذي يتعرض إلى ضغوط من قبل قادة الحشد الشعبي في خضم الأزمة التي تتعرض لها إيران يجد نفسه عاجزا عن إدارة الدولة إذا ما استمر حزب الدعوة في السيطرة عليها من الداخل