في يوم التضامن هذا، 31 أيّار 2019، مع الجامعة اللبنانية، الذي دعت إليه رابطة الأساتذة المتفرّغين فيها، انضمّ شخصيًّا إلى نداء هذه الرابطة، بصفتي طالبًا سابقًا على مقاعد كلّيّتها للتربية، ومناضلًا في صفوف مناضليها. إنّي أقف وقوفًا طوعيًّا، مجانيًّا، مطلقًا، بلا قيدٍ أو شرط، إلى جانب ما تعانيه هذه الجامعة، وما تعيشه، من مصادراتٍ ومحسوبيّاتٍ وتقهقرٍ وتخلّفٍ وفسادٍ وشرشحةٍ ومآسٍ.
نعم، أريد أن أتضامن مع الجامعة التي تعلّمتُ فيها، وناضلتُ من أجلها، وقدتُ التظاهرات مع مناضلين أعزّاء ونبلاء من أجل استقلاليّتها، وريادتها، لتكون جامعة الوطن، لا مزرعةً من مزارع طبقته السياسيّة، ولا إقطاعًا من إقطاعاته الطائفيّة والمذهبيّة والميليشيويّة.
أتضامن مع الجامعة – الوطنيّة ومع أساتذتها المستحقّين وطلّابها.
ذلك واجبٌ دائمٌ ومطلقٌ. بل شرفٌ غالٍ، يشرّفني أن أتباهى به، وأعتزّ.
ما يؤلم رابطةَ الأساتذة، يؤلمني، لأنّه يمرّغ الجامعة الوطنيّة، ويضعها في الأتون المهلِك، وفي المستنقع الآثم.
لكن، أين هي تلك الجامعة؟ ما الذي بقي منها، من قيمها، من معاييرها العلميّة، من مبادئها الإنسانويّة، من قوانينها، من شروط الدخول إليها، من شروط التخرّج فيها، من شروط الترشّح إلى جسمها التعليميّ، إلى رئاستها، إلى عماداتها، إلى مجلس جامعتها، وما الذي بقي من مستواها الأكاديميّ، ومن مهابتها، ومن حضورها النقديّ، ومن دورها الطليعيّ في المجتمع وفي الثقافة وفي الشرط الإنسانيّ والحضاريّ برمّته؟
لا يهمّني، من جهة، أن أدعم مطالب الأساتذة من أجل المجاملة، ولا يهمّني من جهةٍ ثانية، أن أشتم، ولا أن أهجو، ولا أن أفرّط بالجامعة، ككيانٍ أكاديميٍّ وثقافيٍّ وطنيّ.
يهمّني، فقط، وحسب، أن تعود الجامعة إلى الجامعة، وأن تعود جامعةً.
هذا هو همّي الوحيد والأوحد.
هذا لأقول، بصفتي مواطنًا مراقبًا، معنيًّا بالشأن الجامعيّ اللبنانيّ، وبالشجن الأكاديميّ التعليميّ التربويّ، وعارفًا بمواضع قوّته وصلابته ومناعته وطليعيّته، وعارفًا بالقدر نفسه، بعاهاته وأمراضه ومصائبه، إن الجامعة اللبنانيّة هي في غربةٍ عن ذاتها، ويجب تحرير هذه الجامعة من غربتها البنيويّة، المخيفة والهائلة، ومن عطبها الجوهريّ، على كلّ المستويات.
غربتها ماحقةٌ، وعطبها قاتلٌ.
يجب إنهاء هذه الغربة، وإزالة هذا العطب.
هذا الهدف، هو الهدف الوحيد والأوحد، لأيّ مبادرةٍ إصلاحيّةٍ جدّيّة لإنقاذ الجامعة.
أقلّ من ذلك، أقلّ من هذا الهدف، عبثًا نطالب ونرفع الصوت.
لأجل هذا الهدف، أدعو إلى قيام “هيئة طوارئ أكاديميّة – تقنيّة متخصّصة”، محرَّرة من الولاءات والمحسوبيّات والحزبيّات والطائفيّات، تضع خطّةً عملانيّة لإنقاذ الجامعة، ولإعادتها إلى ذاتها.
لا يخلو لبنان من رُسُلٍ تقنيين ومتخصّصين، في هذا المجال. فلنهرع إليهم فورًا. هم يعرفون الداء، ويعرفون الدواء.
سلامي إلى الجامعة الوطنيّة، إلى أمّي هذه التي احتضنتني، وسلامي إلى تحرّك رابطة الأساتذة الجامعيين فيها.