الحكومة مطمئنة إلى إقرار الموازنة في المجلس النيابي ولم لا، ما دامت هي بحد ذاتها تشكّل برلماناً مصغراً، يضم تقريباً كل الأحزاب والكتل النيابية في هذا المجلس، فأين الخوف اذن من ان يتصدى هذا المجلس لمشروع الحكومة المليء بالثغرات والمغالطات ويعيد النظر في كل بنودها بما يؤدي حتماً إلى إصدار موازنة تُلبّي احتياجات الدولة، وتوفق بين الواردات والنفقات ولا يكون على حساب هذا الشعب الذي يكاد يفقد كل أمل بوجود الدولة الراعية له والحريصة على مستقبله ومستقبل الوطن في آن معاً.
المخاض الذي مرّت به الموازنة خلال رحلة المناقشات التي دارت في الجلسات العشرين التي عقدها مجلس الوزراء، أثبت للقاصي والداني وللمجتمع الدولي الذي عينه على هذا البلد بوصفه يتمتع في هذه المنطقة بميزات كثيرة، ان ما من أحد من المكونات التي تشكّل الحكومة كان قلبه على البلد وعلى شعبه، ويريد فعلاً تحقيق الإصلاح المفقود، وتصحيح الاعوجاج أو الخلل في السياسات الاقتصادية والاجتماعية والمالية، بدءاً من استرداد المال العام المنهوب سواء من التهرب والتهريب الضرائبي أو من الأملاك البحرية والنهرية والمرافئ العامة، وسواء عبر الصفقات التي تعود فقط بالنفع على القوى المهيمنة على مقدرات البلاد والعباد من موقعها الممسك بالسلطة، وسواء من خلال مزاريب الهدر التي تعود أيضاً إلى جيوب هؤلاء أنفسهم. هذا المخاض انتهى إلى تسوية بين هذه المكونات على حساب الشعب اللبناني، من دون ان يكون في الموازنة أية خطة إصلاحية تضع حداً للفساد المستشري وتوقف مزاريب الهدر وتعيد ما لقيصر والمقصود هنا الشعب الذي يدفع الضرائب لدولته العلية، بدلاً من إيهام اللبنانيين بأن الأرقام الوهمية المستجلبة من هنا ومن هناك بطريقة عشوائية، وغير مدروسة ستقلص العجز في الميزانية العامة، بما يُمكّن الدولة من مواجهة الصعوبات الاقتصادية والمالية التي تمر بها وتنتقل بالتالي من مرحلة الدولة الفاشلة في نظر المجتمع الدولي وكل المؤسسات المعنية إلى مرحلة الدولة التي تستحق المساعدات والهبات الدولية حتى تتمكن من النهوض واستعادة موقعها على الخريطة الدولية، كما وعدت بذلك الدول التي اجتمعت في «سيدر» ومن اجل لبنان وحرصاً منها على مساعدته ليتخطى مصاعبه الاقتصادية والمالية، ولا سيما الاجتماعية حيث تخطى معدل الفقر في السنتين الماضيتين الحدود المسموح بها دولياً، كذلك بالنسبة إلى معدل البطالة بين الشباب والذي يقدر أيضاً بأعلى نسبة قياساً إلى عدد سكان لبنان.
لا يُمكن اذن التعويل على المجلس النيابي الذي هو نسخة مكبرة لحكومة إلى العمل في إنتاج موازنة جديدة بناء على خطة إصلاحية فعلاً لا قولاً كما فعلت الحكومة في معرض دفاعها أو توصيفها للموازنة غير المتوازنة.